الجمعة، 6 ديسمبر 2013


أيها الفرنسيون ، أيها الجزائريون : ارفعوا أيديكم عن ألبير كامي
بقلم : رتيبة بودلال
إطلع على مواضيعي الأخرى
[ شوهد : 912 مرة ]

ستة أسئلة محددة ، واضحة ، جريئة و متأنية طرحها ملف أصوات الشمال حول ألبير كامي ، وكم تمنيت لو التزم الأساتذة المشاركون فيه بالإجابة عن كل سؤال بشكل مستقل ، حتى تكون مداخلاتهم أكثر التزاما بالملف و أكثر إفهاما و إفحاما .
ستة أسئلة محددة ، واضحة ، جريئة و متأنية طرحها ملف أصوات الشمال حول ألبير كامي ، وكم تمنيت لو التزم الأساتذة المشاركون فيه بالإجابة عن كل سؤال بشكل مستقل ، حتى تكون مداخلاتهم أكثر التزاما بالملف و أكثر إفهاما و إفحاما .
1 - كيف يمكن اليوم قراءة المنجز الروائي لألبير كامي بعد قانون تمجيد الاستعمار الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي؟
المنجز الروائي لأي كاتب هو انعكاس صادق لتفاعلات عناصر عديدة : الشخصية البيولوجية للكاتب ، التنشئة النفسية له، المعتقد الديني ، البيئة الاجتماعية ، المستوى الاقتصادي و الاجتماعي ...الخ ، لذلك أستهجن هذا السؤال ، إذ أجد من المخالف للإنصاف إقحام مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون تمجيد الإستعمار، والذي جاء بعد خمس وأربعين سنة من رحيل كامي، في قراءتنا للمنجز الروائي لرجل لم يعرف الجزائر المستقلة ، ولم يتخيلها يوما ، لقد أنجز كامي كتاباته في سياق تاريخي معين ومن العدل ألا ّ نسلخها منه ، و ألا ّ تُـقرأ خارجه.
2 - هل يمكن النّظر إلى هذا المنجز الروائي بعين أدبية جمالية و فنّية عصرية بعيدا عن موقف صاحبه المتذبذب من الثورة الجزائرية و هو المولود بالجزائر و ينتمي إلى ما يعرف بالأقدام السوداء؟
عندما ظهرت تسمية الأقدام السوداء أطلقت على المستوطنين الذين استقدموا إلى الجزائر خلال فترة الاستعمار وكانوا ينتعلون أحذية سوداء، على اعتبار انهم قادمون للعمل، في الأراضي الزراعية الجزائرية ، ثم أطلقت فيما بعد على سكان الجزائر من أصل أوروبي الذين غادروها بعد الإستقلال وظلت قلوبهم تهمي إلى مراتع الطفولة ، غادروا بغصة في الحلوق لأنهم أصبحوا بلا أوطان فلا هم فرنسيون خالصون لأنهم ولدوا وعاشوا وتناسلوا في الجزائر، ولا هم جزائريون بحق لأنهم من سلالة الغزاة الظالمين مغتصبي الجزائر ، لم يكن ألبير كامي ممن استقدموا إلى الجزائر ولا ممن غادروها بعد الاستقلال فهو إذن ليس من الأقدام السوداء ، لقد ولد وعاش في جزائره الخاصة : الجزائر الفرنسية ، جزائر وهمية من صنع فرنسا الظالمة ، ولم يعرف الجزائر التي نعرفها اليوم وندافع عنها ونتهمه بعدم حبها ، كيف يحب جزائر تتوعده بالطرد و تهدده بالشتات ؟ كان صادقا مع نفسه أكثر عندما أحب الجزائر التي تحتضنه ، ولم يكن مطالبا بحب جزائر ستقصيه وتتبرأ منه : كان ابنا لاشرعيا للجزائر لكن حتى الأبناء اللاشرعيون يحبون البقاء في أحضان أمهاتهم ، وهذا في اعتقادي ما يفسر الموقف المتذبذب لكامي من الثورة ، فإذا تقبلنا هذه الحقيقة ، يكون من السهل علينا قراءة كامي كما هو لا كما نعتقد أنه كان ينبغي أن يكون ، وبهذا نسلم من خطيئة السطو على حقه في أن يكون قد أحب الجزائر التي أحبته ، وأنه دافع عنها باستماتة حتى لا تزول من خارطة الوجود : الجزائر الفرنسية ، التى مافتىء كثيرون يعتبرونها ( الفردوس المفقود ) ، فلنقرأ ألبير كما كان ، لا كما نريده أن يكون ، ألبير الذي كان يخشى أن تتخلى عنه أمه اللاشرعية ( الجزائر ) لزوجة أبيه القاسية ( فرنسا ) ، كان معذورا في أن يتذبذب أو حتى ينتحر ، وهذه أيضا من منجزات الفترة الإستعمارية المجيدة !!
3 - و ما طبيعة تيماته و موضوعاته التي لا تغوص في أعطاب المجتمع الجزائري آنذاك و تكتفي بالنّظرة الخارجية له رغم استخدامه لرموز كثيرة تحيل الى أرض المنشأ أي الجزائر و هذا غير كاف؟
عندما يكتشف الانسان غربته ، و يتأكد من حتمية تشرذمه ، وتتحول الحياة في نظره إلى عبثٍ إجباري مقيت ، حينها لن يرى أبعد من جرحه ، يحق لنا بعد ذلك ألا ّ نعتبره من الكبار ولكن لا يحق لنا أن نكيل له التهم الجاهزة ، وأن نجلده على الملأ ، وأن نحاكمه غيابيا ، ثم ندينه ونطوي الملف ، وألبير كامي لم يكن ليرى أبعد من جرحه: أصول إسبانية ، مولد ونشأة جزائريتان ، جنسية فرنسية ، كوكتيلا من المشاعر المتداخلة بالانتماء إلى لا مكان ، و بهشاشة الأرض التي يقف فوقها ، إني لأكاد أسمعه يسأل المرآة الخرساء: ( من أنا؟ أشبه من ؟ أم أنني مسخ مشوه بلا وجه ولا اسم؟ ) ، فكيف لرجل مثله أن يختار تيمات وموضوعات تغوص في أعطاب المجتمع الجزائري ؟ الرجل كان كنبتة اقتلعت من جذورها ثم تركت في العراء ، وكان من حقه أن يفقد بوصلته و ينحاز للجنون ، لذلك يحق لنا ألا ّ نمجّده ، ولكن لا يحق لنا أن نلعنه.
4 - هل يصح الحديث عن تعارض الإيديولوجية الكاموية إن صحّ التعبير و بين الوصف الجزئي ؟
هل المقصود بالوصف الجزئي: تسليط الضوء على بقعة بعينها مع إهمال محيطها العام وبالتالي التعتيم على تفاصيل ذات علاقة ؟ التركيز المتعمد على جوانب مع الإغفال - المتعمد أيضا - لجوانب أخرى ، خدمة لفكرة يراد تمريرها ؟ وهل المقصود بالإيديولوجيا الكاموية: تلك العبثية الطافحة ، التي تنضح بها أفكاره ؟ يبدو لي هذا السؤال بحاجة إلى إعادة صياغة.
5 - و ما قصة القافلة الثقافية التي قامت دوائر قريبة من قصر الاليزيه بتنظيمها ؟ و هل هذه القافلة هي مجرّد جس نبض المثقف الجزائري و معرفة رأيه من مطالب الجزائر الرسمية و الثورية من ضرورة تعويض فرنسا للجزائر عن جرائمها المرتكبة أثناء فترة استعمارها لهذا البلد ؟
كم من كلمة حق أريد بها باطل؟أخيرا اهتدت فرنسا إلى طريقة لئيمة لكسب التعاطف الشعبي الجزائري ، أملا ً في إسقاط مطلب الإعتذار : التقرب إليه عبر ذكرى ألبير كامي الذي تحسبه فرنسا على الجزائر، و تريده سفيرا فوق العادة ، لقد أخطأت فرنسا مرة أخرى في اختيار السفير الأنسب ، الشعب الجزائري متَّقد الذاكرة ، لم ولن يراجع موقفه من آلة الكره الفرنسية المقيتة التي تعاملت مع بشريته ، كما تتعامل مع قوارض الحقول والحشرات الضارة ، الشعب الجزائري يدرك أن التنازل عن الحق خيانة للذاكرة وللدماء التي سفكتها وحشية الإدارة الفرنسية ، لذلك لن يرضى بأقل من الإعتراف المتبوع بالإعتذار، المعزز بالتعويضات ، وبدفع الديون المتأخرة التي يعود تاريخها إلى ما قبل الإحتلال .
إن التوظيف السياسي لذكرى ألبير كامي هو إهانة رسمية لتاريخه الحافل بالأوجاع التي سببتها له فرنسا ، عندما جعلته يولد على أرض لا تحبه ، ويشب في شوارع تقرف من أنفاسه الأوروبية ، ويكبر وهو يسمع أنين الأرض تحت قدميه ، ويشهد على بؤِسها اليومي بل ويكتب عنه بمرارة دون أن يستحق في النهاية أن يقال عنه: جزائري ، إيييه يا فرنسا سيمقتك حتى أبناؤك عندما يدركون بشاعة وجهك القبيح مادمت تصرين على إنكار جرائمك ، بل و تمجدينها.
6 - و أخيرا هل من الممكن اعتبار ألبير كامي كاتبا جزائريا ؟
لقد رحل ألبير كامي عن الدنيا قبل أن تولد جزائر الإستقلال ، رحل عندما كانت الجزائر فرنسية ، وهو ابن تلك الجزائر شئنا أم أبينا ، أما جزائر اليوم فهو لا يعرفها ، ولم يكن ليتمنى أن يعرفها ، غادر الدنيا قبل أن يتحتم عليه فقدان وطنه الوحيد ، والتحول إلى غيمة هائمة لا تهمي ولا تنهمر ، و لا يجوز لفرنسا أن تزعجه في رقدته الأبدية لخدمة مصالحها السياسية ولا يليق بالجزائر الحرة المسلمة نبش قبره بعد خمسين سنة من رحيله لتقول له : لست ابني .
نشر في الموقع بتاريخ : الأحد 11 جمادى الأول 1431هـ الموافق لـ : 2010-04-25
التعليقات
محمد الصغير داسه
ياعرب..ياأمة قد ضحكت عليها الأمم..لاتلتمسوا الأعذار للكفرة والمارقين..من يكون هذا البيرو..حتى تزهق الكلمات من اجله ويسبل الحبر اودية لتبييض وجهه..تحدثوا عن اخوتكم المسحوقين الذين ناضلوا من اجل استقلال وطنكم..من اجل بنائه...ماهذا التهافت على رجل مجده الاستعمار كما مجد جرائمه...ان ابناءنا يجهلون تاريخهم، ويجهلون رجالهم وشهداء الحرية..والله لوسألت أيتها الأخت الكريمة عن العربي التبسي الذي يجهل كيف مات لم يجبك المثقفون ،واذا سئل ابناؤنا عن جرائم الاستعمار لأجابوا بان فرنسا كانت حربها علينا حضارة وفتحامبينا..والدليل على ذلك هانحن نشغل انفسنا بالترهات وننسى جوهر الصراع...بل نغذي افعال الأقدام السوداء الذين كانوا سراق الثروة ومبتزي الشعب الجزائري..لماذا لانقول ارفعوا ايديكم عن الجزائر؟ لماذا لانقول عن عنصرية النضام الفرنسي شيئا؟لماذا نبشت قبور الثوار وزعماء الحرية ولم تتحرك الأقلام ؟ انها لخدمة غير مباشرة لأذناب المستعمر، اننا نريد أن نتقرب منهم وهم يبتعدون وعنا يضحكون..ان للبيروامة تحميه وتريد اعادة حفر اسمه في الذاكرة الجزائرية وللجزائر ابناؤها ةأدباؤها..فأدب البيرو لايحرك حبات رمل ولايعطينا تيكنولوجا ولايرفع الضيم والغبن عن شعوبنا.....دعيني اعتذرلك فلقد استعملت نصك مطية لأقول ما يجب ان يقول...فالتحية لك والشكر الجزيل...م.ص.داسه
رتيبة بودلال
هل تعرف يا سيدي الفاضل أن أشنع عيوبنا هو انفعاليتنا الزائدة ، وتهافتنا على كيل الشتائم لبعضنا ، في سباق هيستيري لإفراغ تراكماتنا الثقيلة ؟ نعم : يغلي دمنا بسرعة البرق ، فنثور و نفور ونقذف حممنا الدفينة في وجه بعضنا ، ثم نسترخي ، لأننا نكون قد أثبتنا لضمائرنا أننا قمنا بالواجب ، نعم هكذا نتناقش : نتناكش و نتشاكس ونتبادل الشتائم والتهم ، ونزايد على بعضنا في إعلان الشعارات الفخمة ، الضخمة ،الملونة بألوان الراية الوطنية ، وتنتهي ثوراتنا بمجرد الإفراغ ، ولا يهم ما يكون بعدها لأننا ضمِنَّا رشوة ضمائرنا وربحنا حربنا الكلامية ......تصفييييييييييييييييييق.
لذلك يا سيدي الفاضل أعفيك من الاعتذار عن استعمالك نصي مطية لتقول ما يجب أن يقال ، فهذا طبيعي عندنا ، وأنا أتفهّم ، وألتمس لإخوتي سبعين عذرا مثلما أوصاني الرسول الكريم ، محمد المصطفى – صلى الله عليه وسلم – بل إننى لسعيدة بالمشاعر التي أثارها نصي فيكم ودفعتكم إلى إعلان هذه الغيرة على الجزائر الحبيبة ، الجزائر التي نغارعليها بشراسة حتى ليكاد الواحد منا ينكر على غيره أن يشاركه حبها ، إنها الجزائر التي لا نملك ألا ّ نتنافس في حبها ، ولكن : يؤسفني هذا التشاؤم الذي تصطبغ به نظرتنا إلى أنفسنا (ان ابناءنا يجهلون تاريخهم، ويجهلون رجالهم وشهداء الحرية..والله لوسألت أيتها الأخت الكريمة عن العربي التبسي الذي يجهل كيف مات لم يجبك المثقفون ،واذا سئل ابناؤنا عن جرائم الاستعمار لأجابوا بان فرنسا كانت حربها علينا حضارة وفتحامبينا..) لا يا سيدي ، لا تقسم بالله و لا توقع نفسك في فخ التعميم ، الشعب الجزائري الذي قاوم كل محاولات فرنسا لطمس هويته ومقومات شخصيته عندما كان يرزح تحت نير الاحتلال ، لن يتخلى عن جزائريته اليوم وهو ينعم بالسيادة والاستقلال ، ولن يتنكر لتاريخه وثراته الفكري والحضاري ، لمجرد أن صدره اتسع لفتح ملف حول ألبير كامي ، وأبناؤنا لا يجهلون تاريخهم وتضحيات شهداء الثورة ، بل يعتزون ويفخرون ، ويتباهون برموزهم الوطنية ، وأنا لا أقول ذلك من باب التنجيم ولكن لأنني لمست هذه الحقيقة وأمسكتها بيديّ على امتداد سنوات اشتغالي بالتعليم ، خاصة أن تلاميذي كلهم من فئة الشباب: المستوى الثانوي ، و ما ينقص أبناءنا حقا هو أن نقتنع بهم و نسمع لهم ونزودهم بجرعات مناسبة من الوعي ، شبابنا بخير لكننا نرفض أن نراهم كذلك ، أو نخشى أن نعلن ذلك ، لأننا نؤمن بشعار خطير مفاده ( مالازمش نحلـُّولهم عينيهم!! ) أو ربما لأننا نعتقد أن جيلنا أصلح من جيلهم ، وهذه مغالطة أخرى : على كل حال نحن من قام بتربيتهم و علينا أن نحصد ما زرعنا .
أخيرا يا سيدي الفاضل ، أدعوك إلى إعادة قراءة نصي ، إذ بدا لي من خلال تعليقك أنك لم تقرأه بتمعن...دمتَ أخًا.
محمد الصغير داسه
الأستاذة رتيبة بودلال..لم أكن أتوقع أن تنفجري براكين غضب وترمي بحممك بعيدا، لم أخاطبك ولم أقولك مالم تقولين ،تحدثت مع النص واستعملته مادام معروضا.. ولم أسفهك وإنما علقت وتعليقي كان توصيفا لواقع استفتحت بنداء ياعرب....وأحسبك تبتهجين فأنا الوحيد الذي قرأت وعلقت..وليست المرة الأولى أقرأ فيها للزملاء والزميلات.. ولأول مرة اصدم.. ردك يارتيبة..كان جميلا يحمل ثقافة رفيعة من أستاذة متخلقة تحمل رسالة..وحامل الرسالة لايتصف إلا بصفات الكمال..لدي ماأقول. ولكن من الأحسن أن اسكت..وما دمنا من أسرة التربية اسمح لك أن تتعلمي التجريح ..والكلام القبيح ولا اجيبك..ولا أزيد عن هذا فلك الشكر على ألفاظك المتخيّرة، وعذب كلماتك المعبرة ...شكرا أيتها الطيبة المتأدبة..والسلام عليك ورحمة الله وبركاته....م.ص.داسه
رتيبة بودلال
سيدي الفاضل : محمد الصغير داسة
تابعت بتقدير بالغ ما تنشره على صفحات أصوات الشمال، وأُعجبت بمواظبتك على التفاعل الإيجابي مع ما ينشر ، ويسعدني أن تقرأ لي و تترك بصمتك على صفحتي ، وأرجو أن يتسع صدرك لرجع الصدى ، وأعتقد جازمة أن انتماءك إلى أسرة التربية والتعليم قد أكسبك المناعة الكافية ضد الهزات الإرتدادية ، مودتي و شكري ، و دمت َ أخا
جميلة طلباوي
الأستاذة الفاضلة رتيبة بودلال ، الأستاذ الفاضل محمد الصغير داسة أثلجتما صدورنا بهذه المصافحة بعدما وضعنا أيدينا على قلوبناو نحن نقرأ التعليق على الموضوع و الردّ عليه ، فنحن في أصوات الشمال حين نثير المواضيع للنقاش نريد أن نفسح فضاء للجميع ليعبّر كل واحد عن وجهة نظره بكل احترام و دون إقصاء أو تهميش للآخر تكريسا لروح الحوار التي من المفروض أن تكون النخبة المثقفة أول من يتحلى بها ، و قد أثبتما فعلا بهذه المصافحة نبلكما، نفس المصافحة نريدها بين نبيلين آخرين هما الفنّان العالمي بوكرش محمد والأستاذ أحمد دلباني فنحن نعتز بهما صوتين رائعين من أصوات الشمال و يبقى الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية . نريد أن تكون أصوات الشمال فضاء للتحاور و التواصل و التقارب، ما أروع وجودكم جميعا.
والتحية و التقدير للجميع.
رتيبة بودلال
العزيزة جميلة طلباوي :
أشكر لفتتك الطيبة وحضورك العطر على هذه الصفحة ، وأضم صوتي إلى صوتك فيما يتعلق بأخوينا الأستاذ دلباني والفنان بوكرش ، لأن اختلافنا في نظرتنا للأشياء ينبغي ألآ ّيتجاوز كونه اختلافا في الرأي ،أما أن يتحول إلى تنابز و تراشق فهذا سيؤدي إلى أنكماش كل واحد منا على ذاته و احتفاظه بآرائه لنفسه، وحينئذ نصبح غرباء عن بعضنا وتلك خسارة لا نريدها بالطبع ، لأن الذي تتقد في رأسه جمرة الكتابة هو في الحقيقة ثائر ضد الصمت والوحدة والغربة فكيف يسعى إليهما بإرادته؟
اختلافنا في الرأي هو الذي يضمن أن تفصل بيننا مسافة كافية لكي نرى بعضنا بوضوح ، لكن إذا زادت هذه المسافة عن الحد المعقول فستنعدم الرؤية ،وإذا نقصت هذه المسافة إلى الحد التي نصبح فيه نسخا متطابقة أيضا ستنعدم الرؤية ، ليس عيبا أن نحافظ على شعرة معاوية بل الشجاعة الأدبية تجعل ذلك واجبا علينا
أجدد المصافحة مع الأستاذ المربي الفاضل محمد الصغير داسة ، و أقول له: تشرّفت بمعرفتك ، والسلام عليكم
عبد الحفيظ بن جلولي
الاستاذة رتيبة بودلال المحترمة:
تحية طيبة وبعد،،
ان الالتفات الى هذه المحطات الفكرية المتعلقة بتاريخية الوطن في مساره نحو تكريس هويته واثارة النقاش حول المدى التعددي في جذور البنية الرافدة للثقافة الذاتية، يمثل اكثر من اضاءة للعودة المستمرة الى قراءة الذات.
ان كامو لا تتحدد رؤيته وموقفه من الجزائر من خلال اعتبارها مكان ميلاده، و بالتالي نرى حبه لها في اطار هذه العلاقة المنشئية، لانه اولا وأخيرا يعتبر مفكرا، وعلاقته بالأشياء تتحدد من خلال اثاره الفكرية، ولعل جدل الهوية والانتماء لديه يتحدد من خلال عناوينه وطروف تكوينه الخاضعة لغربته ومحاولاته لتثبيت هويته الصائرة الى الام القائمة واقعا ذات الجدر الاستعماري، وهذا يفهم بالمخالفة مع صورة الام اللامبالى بها في نص الغريب.
دمتم مميزين
تحياتي واحترامي.
رتيبة بودلال
شكرا لك سيدي على هذا المرور الأنيق ، و تحية كبيرة للموضوعية التي تميز بها تعليقك المتأني ، الهاديء ، الرصين
ما يسبب لي الصداع حقا يا أستاذ ، هو التهم والإدانات الجاهزة التي لا تستند إلى حجج دامغة ، أرفض أن يبدو المفكر الجزائري كالذي يرتعد خوفا من الحبل لأن الأفعى لذغته ذات مرة ، وأفضل الرصانة المعززة بالحجة والبرهان ، أحب أن أرى الجزائري يتحدث بثقة و بنديّة مفحمة ، ومن موقع قوة ، ولا أطيق أن أراه يتخبّط كالجريح ، ويحدث الجعجعة والضجيج كالذي وقع في فخ ، لذلك يا أستاذ استهجنت تلك الجلبةوذلك الصراخ ، وحاولت ألاّ أظلم ألبير كامي وألاّ أجعل ملفه حائط مبكى : أفضل أن أحب بلدي بعيدا عن ألبير كامي ، بالأحرى بعيدا عن كره ألبير كامي
بوكرش محمد
الأستاذة المبدعة جميلة طلباوي الموقرة ،الأستاذة المربية الكاتبة رتيبة بو دلال، بقدر ما أحببت شوبنهور ، نيتش، سارتر وفليب نيمو كرهت أدونيس...و...ليس حبا وكرها للأشخاص بقدر ما هو حب إبداع ثائر للتغير الايجابي في شعوب اضطهدهم رجال الدين،الملوك والأغنياء...وكره التقليد الأعمى والانسلاخ الغير مؤسس البتة الخاضع لنفس وحدات القياس الغربية...نحن لن نأخذ منهم الثورة والغيرة لإصلاح الحال والتعديل بقناعة أننا بأشياء كثيرة ...مميزين ، نحن ضربنا بمعول وسيف من فتحنا أعينهم وولعوا بجميل ما قدمته التجربة الإسلامية الحضارية...باعترافهم.
ضربنا بدلهم بقساوة ما يخافونه... خوفا من أن نعود...ضربنا بأياد من لحمنا ودمنا...لا خطر علينا منهم هم... ، الخطر علينا من الضالين اللاهثين عطشا ظنا منهم أن السراب ماء...
لا شيء بيني وبين أحمد كشخص بالعكس أحببته ومازلت ولن أذكره من يوم لقائي به وقبل إلا بالخير، أما ما أكتبه بالمستوى أو بالضعف ويتعلق بما يكتبه أحمد شيء آخر لا علاقة له بالصداقة ، بالمصافحة ، بالحب والعلاقات الشخصية بقدر ما هو موقف... موقف من أطروحات وتمثيليات وتقمص شخصيات ولباس تفاصيل جاهزة ليست على مقاسنا البتة...مازلت أتمنى وأنتظر منه ومن غيره( ولا أستثني أحدا) فكرا بنماذج...العوامل المشتركة فيها تجمع أكثر من أن تفرق...كان ذلك على المستوى المحلي أو الدولي.
لأنه من السهل التلاوة وترتيل ما يأتي جاهزا من هنا وهناك مع حافظة الله يبارك...لكن من الصعب التنقيب في الذات لتأسيس المغاير المميز بالموقف والاختلاف، ولا أعني بالاختلاف التباهي بلباس وبضاعة الغير، الاختلاف عندي هو بفارق ما تقدمه وتتميز به ويشهد لك به القوي والضعيف مثلي... إضافة لما هو موجود بدلا من تهديمه والتجني عليه .
الحياة أخذ وعطاء بالمفهوم الجمالي ...قدمنا لهم...قدموا لنا...ما يخدم الإنسان عموما، لكن أن نأخذ بالغث على حساب السمين، نترك السمين وننعته بكل اهانة...ولا قدرة ولا حول لنا أن ننعم بسمين الأخر...هل قدم الكتاب المفكرون بديلا ...،تنظيرا... ، علاجا... أو تصورا ورفضناه، كل ما في الأمر نقرأ تجنيات وقدح وشتم ووقاحة باسم الحداثة وخالف تعرف...جنس بعيدا عن ذهبية القفص، هدم بعيد عن الترميم والبناء أو تصور ما... يناقش، لكن السهل السهل هو انتهاكات المقدسات للارتماء في تقديس أشياء... أي استعارة المجون تفصيلا وجملة...
أستاذتي جميلة أستاذتي رتيبة، محبتي وكل شكري وتقديري على ما تبذلونه من مجهودات نعتز بها ونقدرها.
معروف محمد آل جلول
الأخت رتيبة بودلال..
قرأت موضوعك ..ووجدت أنك وضعت "الكاتب" في موضعه الحقيقي..وأعدتيه إلى مكانه اللائق..مبدع ..قال..انتهى ..بقي أثره دالا عليه..وما أعجبني هو الأسلوب الواضح ،الفارغ من تقعير اللغة ،وحشوه بالمصطلحات ،وتقليب الأساليب التي "تُغمِّضُ"الفكرة وتبهمها أحيانا..
فلك كل التقدير..
هل هذه الحكومات التي تبضِّع الشخصيات وتُشيِّئُها ..تحترم حقوق الشخص؟؟
هل تسمح الأخلاق بتوظيف "اسم شخص" لخدمة أهدافها السياسية بطريقة مهينة في حقه..؟؟
أشكر كل المتدخلين على هذا الحوار البناء..الذي انتهى إلى نتائج قيمة..
والأستاذ القاص الوقور "محمد الصغير داسه" وأن بدا لك في البداية مستفزا ..فهو غيور على مجتمعه ووطنه..ومخلص لأهله..ونحن نشاطره كما شاطرناك الرأي تماما..أن ما قيل عن "مؤسس الدراسات الثقافية في العالم الإسلامي :مالك بن نبي "أقل بكثير مما قيل عن فرنسي ..قدم أهله إلى الجزائر مستعمرين ..وتحاول أطرافا أن تجعله ابنا لهذا الوطن العزيز الذي فقد فيه كل جزائري شهيدا عن همجية هذا الاستدمار..
رتيبة بودلال
الفنان محمد بوكرش : سعدت بتعليقك الذي عبر عن نواياك الطيبة ، لكنني أتساءل :هل وصلت هذه الرسالة إلى الأستاذ دلباني وقد ّنشرتها في ذيل موضوعي ، بدل نشرها في نفس الصفحة التي وقع فيها الاصطدام بينكما؟ أتمنى أن أقرأ لك تعليقا في ذيل موضوع الأستاذ دلباني ، أتمنى ذلك حقا، ودمت فنانا ومحبا للحق كما عهدناك .
رتيبة بودلال
الأستاذ: معروف محمد آل جلول
شكرا ثم شكرا ثم شكرا لأنك فهمتني أكثر ، و أدركتَ أنني لم أمجّد ألبير كامو أو ألعنه ، فقط شهدت بالحق الذي أعرف ، و أنكرت أن يراد تلميع وجه فرنسا عبر تمجيده ، أو أن يُرام تمجيد الجزائر عبر لعنه ، لأني أعتبره من ضحايا فرنسا الإستدمارية( رحم الله المجاهد والمناضل والمثقف الفذ مولود قاسم نايت بلقاسم) نعم ألبير كامي وكثيرمن الأوروبيون هم ضحايا فرنسا التي جعلتهم يفقدون هوياتهم ويتحولون إلى منبوذين ، ومن حقهم مقاضاة فرنسا على جريمتها هذه ، لكن قولي هذا لا يتعارض مع حبي لوطني الجزائر ، بل إن هذا الحب متجذّر في شخصيتي وهذا يجعلني لا أشعر بالحاجة إلى إعلانه ، والتلويح به بدون مناسبة ، ف - لكل مقام مقال-
شكرا مرة أخرى.
بوكرش محمد
أختي رتيبة ما كنت أود أن أكون بالمرة في ذيل موضوع مفحم ، قرأته يوم نشر أعجبت بتوازنك الأكاديمي المعرفي وصواب رأيك، كان فيه ما لله لله وما لقيصر لقيصر، كنت منصفة وهو ما ينبغي أن يكون وكان بالفعل...أما أن يكون الموضوع مطية تلميحات وتمرير خطابات لا علاقة لها نهائيا بصلب الملف ويخاض بانتهازية بعيدة كل البعد على البراءة، الشيء الذي لمحت له مشكورة في مقدمتك.
هي النقطة بالذات نقطة التصادم مع...مع الأسف، والخروج على الموضوع إلى كواليسه...بذات الفعل كان الرد الذي لا يعجب السادة الأفاضل محترفي الإيهام والإسهاب في أمور مقصودة متعمدة... على حساب مضمون الموضوع.
ما كتبته بذيل موضوعك كان بدعوة غير مباشرة منك ومن الأخت جميلة طلباوي في التعليقات طمعا في دعوتي لمصافحة من لا يرغبون في ذلك خاصة إذا كان لك موقفا مخالفا يخلو من المجاملة والنفاق من مادة هجينة مستهلكة مستوردة، بنت بيأتها بالزمان والمكان ثقافيا وعقائديا واجتماعيا التي لا تمت بصلة لموروثنا الحضاري الثقافي ولا لتركيبتنا البشرية الأخلاقية الدينية والفكرية الأدبية...
يشكرونك اليوم نفاقا ويرحبون بك كاتبة رائعة ( كاتبة منافقة) وهم الأكثرية...وينهالون عليك الغد من ذلك شتما وتجريحا (كاتبة ضعيفة لا تحسن قواعد اللغة العربية الجميلة) يوم يكون لك منهم ومن تسمم أفكارهم موقفا.
بهذه المعاملات... ما زالت تسير معاملات ( الكتاب...)مع بعضهم البعض.
أين اتحادهم في اتحاد الكتاب؟ والجواب... لخير دليل على نوعيتهم ونوعية ما سمم الحرث والنسل.
1- معذرة سيدتي مرة ثانية عن وجودي بذيل موضوعك الأنسب من وجودي بذيل مواضيع كثيرة محددة أخرى...
2- وجودي بذيل موضوعك يضمن وصول الرسائل (...).
جميلة طلباوي
الأستاذة الفاضلة رتيبة بودلال لك منّي تحية طيبة و اسمحي لي أن أنحني بكل احترام و بفائق التقدير للفنّان العالمي الكبير
والانسان النبيل الطيب الأستاذ محمد بوكرش ، وجوده هنا دليل نبله و روحه الراقية و جاء بدعوة وجهناها له و للأستاذ الفاضل أحمد دلباني لتكون مصافحة تجمع كل الكتاب و لا أرى هذا الحيّز هنا مجرّد ذيل لموضوع محدّد بل أرى فضاء يجمع الكتاب و هذا الجزء بالضبط من الصفحة هو للتعاليق و التواصل هو الذي يمنح الحياة للمواضيع إذن هو ليس بذيل بل قلب الموضوع ، و سواء كانت المصافحةفي موضوعك أو في موضوع آخر المهم أنّنا سعداء بهذه الكوكبة الجميلة من المبدعين بنبلهم و حرصهم على التواصل في جو ثقافي خدمة للكلمة الراقية .
إذن شكرا أستاذ محمد بوكرش ، شكرا لأنّك لبّيت دعوتناأيها الأصيل ، شكرا على نبلك و طيبتك و أكيد أنّ للأستاذ دلباني عذره و سيكون معنا قريبا إن شاء الله ، شكرا لكم جميعا و نلتقي قريبا في ملف آخر له أهمّيته.
أنتم القناديل المضيئة هنا في هذا الزمن الصعب شكرا لكم جميعا.
تقديري و احترامي.
رتيبة بودلال
أعتذر إذا كانت عبارة ( ذيل الموضوع ) قد أعطت إيحاءا سلبيا ، وإن كنت لم أقصده ، ما قصدته هو أن الأستاذ دلباني قد لا يقرأ موضوعي فلا تصله نية المصافحة ، وهكذا تفوت فرصة ثمينة لرأب صدع ما ينبغي تجاهله، و أنه من الأفضل أن تعلن نية المصافحة على نفس الصفحة التي بدأت فيها الزوبعة ، أما كلمة ذيل هنا فهي بريئة ألا يقول الواحد منا مثلا ( ذيّلت موضوعي بإمضائي )؟ ففي ذيل الموضوع نجد إمضاء الكاتب أو اسمه كاملا دون أن يكون ذلك انتقاص لقدره، هذه قناعتي و أعتذر مرة أخرى إذا أسيء فهمي .
والسلام عليكم.

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

بطاقة معايدة
إلى كل عربي أو مسلم استطاع أن يحتفل بالعام الجديد بعدما شاهد أشلاء أطفال غزة تتطاير وسط حقول الفوسفور الأبيض ، إلى كل عربي أو مسلم استطاع أن يحتفل برأس السنة الميلادية رغم أنف نشرات الأخبار التي تنقل على المباشر صور شلال الدم في العراق الحبيب ... إلى عرب السيجار، والدولار والفياغرا وإعادة الإعمار ( بعد تعمد التخريب)..
نخب الخيبة...وما تبقى من فتات الوقت.
في كل منعطفٍ على درب القصيدْ..
تتخطَّف الكلمات آهي..
تزدريني عبرة ٌ باتت على كفي تراقب صبوتي..
تتحول الكلمات... بارودا رخاميّ البرودْ..
وأنا المعلَّقة على التابوت ...تنقرني الخفافيش ..
يقدِّدني اصطخاب النزف ..تردمني السدودْ..
وحدي ومن خلفي ومن فوقي ومن تحتي الحدودْ..
لكأنما لا بدرَ ، لا حطين ، لا يرموك ضجَّت بالصهيلْ..
لكأنما لا قادسية ُ أشرعت بالنور باب المستحيلْ ..
لهفي على الزهراء في بغداد تولم للنحيب و للعويلْ...
لهفي على نهر الفرات ، على انطفاء الطلع في ذاك النخيلْ...
لهفي على الزيتون في يافا ، على كرم الجليلْ ...
لهفي على ضحكات أطفال أصاخ لشجوها الليل الطويل ْ..
لهفي على الجولان أمسى في خَبَرْ...
لهفي على النيلين قـُدَّا من دُبُرْ..
لهفيي...على الصخر العتيق ِ، على العقيق ِ، على السنابلْ ..
لهفي على غزه.... تفرق نزفها بين القبائلْ..
لكأنني ..لا أهلَ لا إخوانَ... لا من أستجير بنخوته.ْ.
نهش الكلاب يقدني.. وصلاح يرشف في المنافي قهوتهْ...
لحمي يئزّ ُ بقيظهم ... وصلاح في شرم ٍ.. يداعبُ... قطتهْ...
شرفي يُهانُ وها صلاح الدين ِ..في روما.. يزور عشيقته.ْ...
وقوافل الغلمان ِ و الخُصيان ِ.. تبكيني وتبكي ردتهْ...
وأنا المشرّحة على التابوت... أرقب من بعيدٍ صحوته.ْ.
وأنا التي .... من أين تبدأ ُ جذبتي ؟
نافورة الوقت التي زينتـُها شاختْ...
وماعادت تدق بشرفتي..
من أين جاءت هاته الريح وعرت عورتي....
وأنا التي ..من أين تبدأ قصتي ؟
من بيعة الحجاج ؟أم من رجفة الحلاج ؟
أم من مصرع الخلفاء في غرناطةِ ؟
وحدي على التابوت يرقبني الحيارى .. والعذارى
والأيامى الحور ِ ...والغُرِّ...وبعض الصفوة ِ..
و قوافل العُربان ِ ترقب في اشتهاءٍ : كيف تبدأ ميتتي...
وأنا التي ... وحدي على التابوت أبلع غصتي ..
وأنا التي ....
أنا فتنة ُوبلاءُ هذي الأمة ِ.. ياويح معظم أمتي..
جفة الحلاج ؟
أم من مصرع الخلفاء في غرناطةِ ؟
وحدي على التابوت يرقبني الحيارى .. والعذارى
والأيامى الحور ِ ...والغُرِّ...وبعض الصفوة ِ..
و قوافل العُربان ِ ترقب في اشتهاءٍ : كيف تبدأ ميتتي...
وأنا التي ... وحدي على التابوت أبلع غصتي ..
وأنا التي ....
أنا فتنة ُوبلاءُ هذي الأمة ِ.. ياويح معظم أمتي..


بين المتنبي...والدكتور
بقلم : رتيبة بودلال
إطلع على مواضيعي الأخرى
[ شوهد : 564 مرة ]
ويحي أهكذا ستجلدنا الأجيال القادمة نحن الذين عشنا في زمن الثورة التكنولوجية فلم نتقن سوى حرفة المتنبي : إنتاج الكلام ؟
عندما قرأت ( لهذا أنا لا أحب المتنبي ) اعتقدت أن الدكتور الزاوي يقصد متنبيا آخر غير الذي أعرف ، لولا ذلك البيت اليتيم لأبي الطيب الذي أورده الدكتور ليبرهن عدم حبه للرجل المتملق ، شاعرالبلاط ، المتذلل للحاكم .....الخ غير أن معلوماتي تقول أن المتنبي قد استعمل أنجع وسيلة في عصره وهي الشعر لتذكير كافور الإخشيدي بوعده الذي طال انتظاره ، فلم يتملقه و إنما عاتبه بذكاء وعبقرية حين سماه ( أبا المسك ) وترك له خيار اعتبار ذلك مدحا ( ببسبب طيب رائحة المسك ) أو هجاءا بسبب لونه الأسود ، أقول هذا رغم مقتي الشديد للعنصرية .
ما أوقعني في الحيرة هو عدم تقييم سيرة المتنبي في سياق عصره وضمن الإطار الزماني الذي عاش فيه : لقد عاش المتنبي في زمن كان فيه قول الشعر والبراعة فيه وفي نحت البليغ منه ، صناعة باهضة الثمن جزلة المكافأة وكان فيه مدح الزعماء والأمراء والملوك شيئا دارجا وعاديا لا يعيب صاحبه ، ومع ذلك لم يكن المتنبي يمدح من هب ودب ، وكان رفضه لمدح أحدهم سبب هلاكه ، فبعد هجائه لكافور وفراره منه ، قصد بغداد ولم يمدح الوزير المهلبي لانه كان يترفع عن مدح الملوك ،غضب عليه عضد الدولة فارسل اليه فاتك بن جهل الاسدي مع جماعته وهو في طرقه للكوفة كان مع المتنبي جماعته ايضا فتقاتل الفريقان فلما راى ابو طيب الدائرة عليه هم بالفرار ، ويقال ان غلامه قال له : يا ابا الطيب ألم تقل : الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم ، فقال له المتنبي : قتلتني قتلك الله فرجع وقاتل هو وابنه مُحسد وغلامه مُفلح ، فقُتل وتناثرت كتبه وأوراقه وبينها ديوان أبي تمام شاعر المتنبي المفضل ، وكان عند مقتله في الحادية والخمسين من عمره رحمه الله ،فلماذا يعتبره الدكتور الزاوي شاعرا متملقا ؟ هل كان المطلوب من المتنبي أن يحشد جيشا جرارا فيُغير على كافور وينتزع منه حقه ؟ أم كان عليه أن ينسى ويحتسب أم لعل الدكتور يعتقد أنه كان عليه التعبير عن موقفه بأسلوب حضاري كالإضراب عن الطعام أو الإعتصام أمام السفارة أو كتابة رسالة إلى كافور ونشرها في الصحافة الورقية والإلكترونية ، ولم لا : الإعلان عن موته الشعري ؟ وهكذا لا يكون المتنبي متملقا أو متذللا ، بل يكون متحضرا وصاحب فلسفة عبقرية في التعبير عن سخطه ضد من بإمكانه قطف رأسه بإيماءة واحدة .
قال أبو الطيب المتنبي :
فإذا أتتك مذمتي من ناقص*** فهي الشهادة لي بأني كامل
وقال أيضا :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه *** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وقال :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله*** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
كذلك قال:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتى يراق على جوانبه الدمُ
وهو القائل كذلك :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي *** وأسْـــــمعتْ كلماتي من به صمم
الخيل والليل والبــيداء تعرفـني *** والسيف والرمح والقرطاس والقلم
وأيضا :
الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المقام الثاني
وقال : إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
وقال :
ولم أر في عيوب الناس عيبا *** كنقص القادرين على التمام
ولا يتسع المقام لذكر كل تلك الحكم العبقرية التي صاغها المتنبي شعرا متفردا فشغل الدنيا في زمانه ، وفي كل زمان جاء بعده ، فكيف يكرهه أمين الزاوي ؟ ألأنه قال :
أبا المسك هل في الكأس من فضل أناله*** فإني أغني منذ حين وتشرب ؟
هل كان على المتنبي أن يصنع الطائرة بدل قول الشعر حتى يحبه أمين الزاوي ؟
ويحي أمن يقول كلاما كهذا يتهمه الزاوي في آخر الزمان بأنه قضى حياته لاهثا وراء السلطة والمال ؟ إذن بماذا سيتهمني الدكتور الزاوي بعد موتي أنا التي قضيت حياتي لاهثة خلف وظيفتي المتواضعة مستميتة في التمسك بها ؟ أنا التي لا أملك عشر بلاغة المتنبي ولا جزءا من المئة منها ؟ بل ماذا سيقال عن الدكتور نفسه بعد مماته وهو الذي تقلد الدروع والمناصب لدى الدولة ، ويقبض راتبه وعلاواته بالدينار كسائر أبناء بلده ، ولم يكتب بيت شعر واحد في حياته ؟ ولم يصنع طائرة أو حاسوبا أو حقق إنجازا علميا أو سبقا فكريا أو نظرية جديدة في الفلسفة ؟ ولم يحرر فلسطين أو العراق أو يشارك في نزع الألغام أو في فك الحصار عن غزة ؟ ويحي أهكذا ستجلدنا الأجيال القادمة نحن الذين عشنا في زمن الثورة التكنولوجية فلم نتقن سوى حرفة المتنبي : إنتاج الكلام ؟
02 / 07 / 2010

نشر في الموقع بتاريخ : الأربعاء 25 رجب 1431هـ الموافق لـ : 2010-07-07

الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

هل نحن مجرد مفعول به؟


هل الصدفة وحدها هي التي جعلت تسريبات ويكيليكس تسبق بقليل طوفان الثورات العربية المتتالية ؟ و هل الصدفة وحدها هي التي جعلت الشعوب العربية تتبنى خيار الخروج على الحاكم المستبد كلها دفعة واحدة وبهذا الإصرار غير المسبوق ؟  ألم يكن لتسريبات ويكيليكس  الدور الأكبر في نسف جبل الصبر الذي ركنت إلى سفحه الشعوب العربية لعقود ، قبل أن تقرر كلها أن للصبر حدودا قد تجاوزوها منذ آماد ؟ وهل يجوز بعد ذلك أن نتمسك بتسمية ( تسريبات ويكيليكس ) بدل تسمية ( خطة ويكيليكس ) ؟  إذ لا يعقل أن يكون ذلك الكم الهائل من الوثائق قد تسرب  في غفلة من ترسانة الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية المدعومة بأحدث الوسائل التكنولوجية ، كما لا يعقل أن يكون ما تسرب من وثائق هو بالضبط  ذلك الذي يدين الحكام العرب ويعري ولاءهم لأمريكا أمام أعين شعوبهم ، فلماذا مثلا لم تتسرب وثائق تدين إسرائيل وتكشف مخططاتها الصهيونية الخبيثة والتي من بينها مخطط تهويد القدس واجتثات  تاريخه الإسلامي ؟ وقبلها المخطط الجهنمي الذي ابتدع أكذوبة المحرقة اليهودية ( الهولوكوست ) وأسس بناءا عليها شرعية  الحق في إقامة دولة صهيونية ؟ لماذا تخصصت الوثائق المسربة في كشف عورات الحكام العرب ؟  
منذ ظهور تسريبات ويكيليكس وأنا على يقين أنها جزء من مخطط طويل المدى يهدف إلى خلق شرق أوسط وشمال إفريقي جديدين ، عبر نسف الأنظمة القائمة واستبدالها بواقع غير مستقر سمته الفوضى ، واقع يشكل الأرضية المثالية لتمرير كل المشاريع الغربية وفرضها على أرض الواقع ، مما سيكون فتحا مبينا للسياسة الأمريكية بالدرجة الأولى ، ودون إراقة دم جندي أمريكي واحد ، ولا إنفاق دولار واحد من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية ، مشروع في غاية الدهاء ، يصطاد كل العصافير المطلوبة ليس فقط بحجر واحد ولكن : دون حجر حتى ، فقد تزامنت المعطيات بالشكل الذي يسمح بوضع خطة متكاملة يتم تنفيذها عبر خطوات  متراتبة ، تكون كل واحدة منها مؤسِّسة لما يليها :
الهدف : خلق أمر واقع جديد ، مزروع بالآليات المناسبة لخدمة الأهداف الأمريكية ، يكون قابلا للتكيف مع كل الظروف ، ويمتلك أدوات فاعلة للضغط على النظام الحاكم بما يخدم المصالح الأمريكية مهما تغير الزمن .
الوسائل : تغيير الأنظمة الحالية واستبدالها بأنظمة موالية لأمريكا .
آليات التنفيذ : نظرا للهرم المفرط الذي تتميز به الأنظمة العربية  ، وتردي الحالة الاجتماعية  للأغلبية الساحقة من الشعوب العربية ، واستعداد هذه الشعوب لدفع ضريبة الدم من أجل التحرر من الطغاة الذين يحكمونها ، فإنه يكفي أن  يتم تحفيز الأدرينالين الشعبي ، وتغذية روح الثورة والتمرد ، عبر ما يسمى ( تسريبات ويكيليكس )  التي ستكون بمثابة القطرة التي تفيض الكأس ، و لكي تبدو العملية عفوية ومعزولة ينبغي التنديد بالموقع ومقاضاة صاحبه  بأية تهمة ملفَّقة ، يتم تحت غطائها تهريبه أو تغيير هويته نهائيا وتغييبه عن الساحة الاعلامية والترويج لإشاعة أنه  قد انتهى به الأمر واحدا  من نزلاء غوانتانامو مثلا ، حتى صاحب الموقع ينبغي أن يتم استغلاله دون علمه : تُيسَّر أمامه السبل للحصول على ما سيعتقده كنزا إعلاميا ، ثم يُوفَّر له من يساعده ويشجعه ويوهمه أنه سيأتى بخارقة الدهر المتمثلة في فضح وثائق غاية في السرية ، وهكذا تأتي ردود أفعاله وتصرفاته بما يخدم الهدف الأصلي : إظهاره كمهدور دم ومطلوب من العدالة الأمريكية ...أما باقي المهمة  فستضمنه الشعوب العربية المسكينة التي ستتحمس للموضوع بحكم طبيعتها التفاعلية الانفعالية ، واستعدادها الفطري  للانخراط في العمل الجماعي ، وسيساعدها في ذلك تلك الشحنة الهائلة من الغضب والضغط  والتي تراكمت عبر عقود من الكبت الفكري والقمع السياسي ...الخ، وفي غفلة من الشعوب المتحمسة ، المندفعة في تسونامي من الثورات العارمة ، وعبر مسلسل من الفوضى التي ستكون بمثابة الغطاء  تمرر كل الآليات السياسية  والأدوات الديبلوماسية  المطلوبة ، حتى تفوّت على الأنظمة الحاكمة الجديدة فرصة الرفض أو الموافقة ، بحيث يجد النظام الجديد نفسه مكبلا بالأمر الواقع وغارقا في وحل مخلفات النظام الحاكم القديم وإفرازات الفترة الإنتقالية  .
لقد ثارت عدة شعوب عربية ، ونجح بعضها في إسقاط عرش الطاغية المستبد ، ومع ذلك مازلت أتساءل : من القائد الحقيقي لهذه الثورات ؟ هل هو لوسانج صاحب موقع  ويكيليكس ؟ أم هو البوعزيزي صاحب الكرامة الأبية ؟ أم أن هذه الثورات هي صنيع الإدارة الأمريكية المثابرة ، ألم يتنبأ بها أوباما منذ شهر أوت  2010  حتى أنه  أصدر مذكرة بعنوان  "توجيهات دراسة رئاسية رقم 11"، ذكر فيها وجود "أدلة على تنامي استياء المواطنين من انظمتهم" في منطقة الشرق الأوسط وأخطرالوكالات الحكومية أن "المنطقة تدخل مرحلة دقيقة من التغيير"، وان عليهم "إدارة المخاطر الناجمة عن التغيير بالإظهار لشعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا محاسن التغيير التدريجي، ولكن الحقيقي، الناتج عن انفتاح سياسي أكبر والتحسن في شؤون الحكم". ؟ وقد قامت " واشنطن بوست " الامريكية بنشر هذه النبوءة لتكتمل فصول المسرحية ويسدل الستار على وقع تصفيقات أمريكا و  إسرائيل .
هل أنا متشائمة  وممن يؤمنون بخرافة ( نظرية المؤامرة ) ؟ هل أجسد نموذج الفرد العربي مهزوز الثقة بالنفس ، الذي إذا لم يجد النكد أوجده ؟ هل سنستيقظ يوما على تسريبات موقع إلكتروني آخر يفضح فيها كيف سوَّقت أمريكا فكرة الثورة وكيف جمعت أرباح الصفقة أضعافا مضاعفة أم أن هذه الثورات هي فعلا فاتحة عهد جديد في البلدان العربية ؟ قد يكون بدوره عهد جيل جديد من الطغاة ؟ هل أنا متشائمة ؟


نقطة ، أول السطر...

مقدمة : هل نحتاج إلى أن يفوت الأوان أو يكاد ، حتى نفهم؟ وهل علينا أن نشرب من البحر قبل أن نتلذذ زلال هذه الأرض؟
ليل حالك الظلمة يطبق على صدري ، وأنا أندس بين أجساد باردة كل ما أعرفه عن أصحابها أنهم مثلي اختاروا امتطاء صهوة الجامح المغري : البحر الأبيض المتوسط ، ولكن : لماذا هو أبيض و متوسط ؟ السؤال مستفز لكني لا أستطيع التركيز وسط كل هذا الصخب ، صوت البحر يجتاح أذنيّ كالرعد وأنا أمعن في الالتصاق برفقاء الرحلة ، أحاول ألا ّ أرتعد لكن رجفة غامضة بدأت تنبض داخل صدري ، هل ستـنقضي الرحلة بسلام فتشرق شمس الغد وقد بلغنا الشاطئ الآخر ؟ ماذا لو انتهى بنا الأمر وليمة لأسماك البحر ؟ تذكرت كلام حسان الطاليان :( ياكلني الحوت فالبحر وما ياكلنيش الدود فالقبر) ظل يردد هذه العبارة حتى لفظ البحر جثته ذات صباح ، انتشلناها ودفنّـاه في مقبرة القرية وأكله الدود ... ترى كم جثة كان عليّ أن أنتشل حتى أدرك أن ما سيأكلنا في النهاية هو الدود وليس السمك؟
القارب يتهادى ، وصوت البحر يملأ ُ المكان ، الظلام يتكاثف و البرد يتحول إلى مسامير تنغرز في لحمي ، الأجساد الباردة تزداد التصاقا بي وأيدٍ كثيرة تمتد في صمت لتمسك بمناطق من جسمي ، هل يشعرون بمثل خوفي و بردي ؟ لابأس إذن ، لست وحدي ، سيمر بعض الوقت الصعب قبل أن يرسو بنا القارب في الضفة الأخرى ، و عندما نستقر هناك سنتذكر هذه الليلة مثلما يتذكر الواحد منا شقاوة الطفولة ،ترى هل هكذا شعر حسان الطاليان في بداية رحلته تلك؟ وهل قفزت إلى ذاكرته صورة شخص انتشله يوما ودفنه؟ هل سيتكرر معي نفس السيناريو؟ هل كنت أحمقا عندما قررت الرحيل؟ حسان كان معذورا : المسكين يعيش حياته الكادحة بمرارةٍ محبطة ، لا أستطيع أن أنسى منظره في صباحات الربيع ، عندما كان يصل متأخرا إلى المدرسة، منهكا ومبللا وخجولا ، وكيف صارحني ذات مرة أنه يضطر إلى النهوض باكرا ليتمكن من بيع رُزَم الشتائل والأعشاب الطبية المختلفة ، وكيف يتحتم عليه خفض السعر حتى يتخلص من حمولته قبل تمام الثامنة صباحا، ليتمكن في النهاية من الحضور إلى المدرسة في الموعد،ومع ذلك لم يواصل تعليمه واضطر إلى العمل نادلا في مقهى القرية، و ظلت ثيابه: (الشيفون) تؤكد رزوحه تحت نير الفقر، قال لي مرة :
( ليثني كنت ابن أبيك !! يحرم نفسه لأجلكم وليس مثل أبي الذي لا أذكر مرة اشترى لي فيها شيئا... أي شيء !! فمنذ صغري تحتم عليّ العمل والإنفاق على نفسي ، ورغم أن أترابي تزوجوا إلا ّ أني لا أسمح لنفسي بمجرد الحلم بذلك ، لأنني مجبر على إعالة إخوتي وأمي.)
آآآه المسامير تتوغل في لحمي أكثر ، وتصبح أشد إيلاما ، ولكن لابأس ، فلابد من ثمنٍ غالٍ للحصول على حلم غالٍ ، رذاذ البحر يرتطم بوجهي كحفنة من الحصى المسنّن ، وجهي يتحول إلى قطعة من الجليد ، ومع ذلك عليّ ألا ّ أفقد شجاعتي ، سأعوض كل خلية من جسمي عن كل لحظة ألم سببها هذا البرد اللعين : على الرمال الساخنة الممتدة على شاطئ المحيط ، سأتمدد عاري الظهر، ستحف بي حوريات الجزر النائية ، وهناك بعيدا عن العيون الحاسدة سأغرف المتعة حتى أغصّ ، لا أحد سيمنعني من إرواء ظمئي ، سأعربد حتى تنهار قواي العضلية وأتهاوى كالبغل ، آآآه البرد يشنّج أطرافي و الرذاذ يتحول إلى صفعات ٍ جليدية ، كم يمكن للقارب أن يصمد ؟ عددنا أكبر من طاقته لكن المشرف قال أن رحلات مماثلة كثيرة نجحت ، ولكن : لماذا لم تنجح رحلة حسان الطاليان؟ لماذا تخلى عنه حلمه بالوصول إلى شاطئ ليس فيه أب ظالم، وأم مستكينة ذليلة، وإخوة صغار جياع؟ لماذا أكله الدود قبل أن ينتقم من فقره المدقع وماضيه المفزع ؟ حسان...الطاليان : كان يحلم بالهجرة إلى إيطاليا وظل يجاهر بذلك حتى سميَ بهذا الإسم: الطاليان ،لا أستطيع نسيان ذلك المساء ، عندما ارتفع نحيبه وبكاءه وتجمع حوله الأطفال والمراهقون، كانت أمسية حزينة وناذرة ، للمرة الأولى يبكي أحدهم بصوت مرتفع من أجل حبيبته ، ويعلن أنه يتمنى أن تتزوج غيره وتنساه، لم أنجح في إسكاته إلا بعدما أفرغ ما في صدره من صراخ : كان قد شرب الكثير من الخمر، وكان مسربلا بقيئه وحزنه ودموعه ، لا أستطيع نسيان كلماته في تلك الليلة عندما حسبته يهذي ، قال لي :
(سأرحل عن هذه البلاد التي أنكرتني... سأتركها أمانة في رقبتك، لا تسمح لأهلها أن يزوجوها بمن لا يعرف قيمتها، أنت ابن عمها فلا تفرّط فيها)
لماذا أتذكره الآن وأنا محاط بهدير البحر الهائج وبأنفاس الخائفين وبهواجسي المفزعة ، هل سينتشلني أحدهم في الصباح ويأكلني نفس الدود الجائع الذي أكله؟ القارب يتمايل أكثر والموج يحاول ركوبه ، سرعة الموج وحجمه يزدادان والأيدي تتمسك أكثر ، صوت الرعد يصبح أقوى ،أشعر بالصمم ، هل هذه بداية الموت ؟ هل كان عليّ ارتداء المزيد من الملابس حتى لا يتسلل البلل و البرد إلى لحمي بهذه السرعة؟ أبي ؟ هل هذا ذنب أبي ؟ جمع ثروة حلالا من تجارته المتواضعة وبنى منزلا ليزوجني فيه ، على مدى سنوات طويلة ظل يرتدي نفس الملابس حائلة اللون، لكنه لم يفوت عيدا دون شراء كسوة جديدة لي ، لم يعلم أنني أحلم بحياة بعيدة ، وأنني أجمع ثروتي الخاصة من أجل الرحيل إلى حيث لن يراني ثانية، هل هو ذنب أمي؟ آآآه يا أمي ...كم فرحتِ عندما اكتشفتِ أنني قد أصبحت ُأطولَ منكِ ، آآآه يا أمي كم فاخرتِ زوجات أعمامي بي ، وأنتِ تُـقسمين أنكِ ستزوجينني ممن أختارها أنا لأنك لا تحلمين إلا ّ بسعادتي ، آآآه خناجر من جليد تمزق جسدي ، القارب ينتفض ، عليّ أن أربط معصمي بحبل قصير أثبته بلوح من ألواح القارب ، أبي قال لي – عندما اضطررنا إلى عبور النهر ذات مرة – ( عليك أن تختار لوحا وتربط معصمك به ، اللوح سيطفو بك وسيرشد إليك ) ، القارب يترنح مثل سكران ٍ يقاوم السقوط، لقد أترعته مياه البحر الذي ثار فجأة كأنه يريد لفظنا و التخلص منا ، الأمواج تتحول إلى كثل من الغضب الذي يتساقط على رؤوسنا ، وأنا أقاتل شراستها في محاولة مستميتة لأربط الحبل الموصول بمعصمي إلى ذلك اللوح ، لقد اخترت مكان جلوسي بجوار نتوء تعمدت أن أجعله في متناولي عند الحاجة ، وتأكدت أنه بالمتانة الكافية لتحمل عنف الأمواج الرعناء ، حمدا لله أنني ربطته قبل أن تتخذر أصابعي ، آآه القارب ينقلب ، الأيدي تضيع مني ، برد كالأزاميل يحفر في أعماقي ، الموج الغاضب يتخطّفني فيقذفني فيثنيني فيقلبني فيأ... هل سيأكلني الدود في مقبرة قريتي أم في قبر ٍ مجهولٍ بأرض لم تطأها قدماي يوما ؟ هل سيغرس أهلي أغصان الريحان والعطرشة على قبري أم ستدوسه الكلاب المدللة وتقضي حاجتها على العشب النابت فوقه ؟ جسمي يتحول إلى لوح جليد ، الموج يتقاذفني والموت يبدأ من قدميّ ، قدميّ ؟ رائحة الخبز الطازج من موقد أمي ، مطلوع أمي الساخن تناولنيه وهي تقول : ( اقترب ، أدفيء قدميك فمنهما يبدأ البرد ثم ينتشر ومنهما يبدأ الدفء أيضا ) ، مطلوع أمي المغمس بزيت الزيتون البكر ، لاشيء يدفيء أكثر من موقد أمي وخبزها الطازج ، حتى الرمال الساخنة على شواطيء الجزر النائية ، وحتى الأجساد الملفوحة بشمس سواحل المحيط ، آآآه رائحة الخبز،كيف استطعت أن أقرر الرحيل إلى بلاد لاتعرفني ؟ كيف سأحب حياة ليس فيها خبز أمي ولا لمستها الحانية إذ تمسّد شعري و تتحسسه قائلة : ( عليك أن تتذكر دائما أنك رأسمالي وكنزي ، نعم : يكنز الآخرون المال والمعادن الثمينة وأكنز أنا أولادي فليس عندي أغلى منك وإخوتك....) آه كم أحن إلى سماع صوتك يا أمي ، أدرك الآن فظاعة ألا ّ تمسّدي شعري ثانية ، وألا ّ تحلمين بيوم عرسي ، وألا ّ تزغردي لأفراحي ، غصة في الحلق ... كيف استطعت أن اختار هذا الرحيل إلى حيث لن تتدفأ قدماي ثانية قرب موقدك المستعر؟ البرد ...الآن عرفت البرد الحقيقي ، البرد الذي يتحول إلى خناجر تتوغل حتى العظم ، تخترقه ثم تبدأ بالتضخم ، نخاعي يتحول قضبانا من جليد ، شراييني ترتعد وأنا أغوص : وداعا أيتها السماء البعيدة ، لن أرى زرقتك بعد اليوم ولا برقك أو رعدك ، وداعا أيتها التلال فلن أرى حلتك الخضراء الموشاة بألوان قوس قزح بعد اليوم ولا سُفورك الخريفي الكئيب ، وداعا يا ابتسامة أمي وابتهاجها بتضاريس رجولتي التي ترقبها و ترصدها كل يوم بل وكل لحظة ، ويا حلمها البريء بيوم زفافي وبطقوس الفرح المرتقب : آه أمي كيف ذبحتك بهذا البرود؟ كيف كفرت بالحياة التي فيها رائحتك وعطر أمومتك وطمعت في حياة أكثر انفتاحا وحرية بل وتفسخا ، كيف بدالي أن الرحيل هو صفقة عمري وأن حياة ما وراء البحر هي ما ينقصني لأكمل فرحتي ؟ كيف أحرقت بيدي جنتي الزاهرة وأبدلتها بجحيم هذه الرحلة الملعونة؟ ها أنا أغوص ، فوقي مياه صفراء أليس الوقت ليلا؟ وحولي طبقات من المياه الصفراء أوَ ليس الوقت ليلا أم تُراني ميتٌ الآن وهذه دنيا الأموات ؟ هل ستتجمع حولي الآن جثت الذين عرفوني يوما ليسألوني عن أحبتهم الأحياء ؟ هل سيخرج من بينهم حسان الطاليان ويسألني عن حبيبته وكم حزنت عليه وممن تزوجت وإن كانت قد أنجبت ؟ وهل سيكون خبر موتي قد بلغك يا أمي ؟ آه أمي ها أنا أراكِ وأرى استعار موقدك المتوهج ، هاهو خبزك الطازج المستدير كوجه القمر يرتمي في حضن الطاجن الفخاري ليُسفع ويتحمّر، وهاهي رائحته المبهجة تملأ رئتيَّ ، رباه أوَلستُ ميتا؟ أماه ها أنت تقتربين ، ها يدك تحط على جبيني ، الدفء...أشعر بالدفء ، قوة عظيمة تسحبني إلى أعلى ، رجلاي تدفآن ، موقد أمي يقترب ، أسمع صوتا أعرفه يهتف : إنه حي ، إسحبو أكثر... إنه يتنفس ، إسحبوا...


الخميس، 18 أبريل 2013

نكأت جرحي حتى كدت أبكي ؟


نكأت جرحي حتى كدت ابكي ؟
بقلم : رتيبة بودلال
إطلع على مواضيعي الأخرى
[ شوهد : 630 مرة ]

هذا تعليق للاستاذة رتيبة بودلال على الاستاذمحمد فاتح حرامي الذي يبكي وطنه .. و نظرا لجمالية الرد و صدقه ارتأينا في اصوات الشمال تحويله الى موضوع .
أخي محمد الفاتح حرامي : نكأت جرحي حتى كدت أبكي ، اختلطت علي مشاعري : هل أبكي على حال أمنا الجزائر مع العاقين من أبنائها ، المجحفين في حقها ، أم أبكي على البسطاء منهم إلى درجة الغفلة وعدم تقدير أفضالها ، أم أبكي من الفرح لأن من بين أبناء الجزائر شاب مثلك يحمل همها بكل هذا الوعي والإخلاص ؟ نعم يا أخي : قلتَ كل ما كان ينبغي أن يُقال وبأسلوب هادىء رزين ، وهذه مهمة المثقف : مخاطبة الآخرين بلغة مفهومة ، دقيقة ومباشرة ، لكن بالعمق الكافي لإثارة عصب الوعي المخذَّر.
نعم ( في الجزائر ثروة سمكية نتعاقد مع شركات إسبانية لصيدها و تعليبها، لأن طاطا زهية تخاف على إبنها من الغرق.) لكن لابأس أن يتسلل إلى قوارب الموت ليلا ليحرق إلى جنوب فرنسا أو إيطاليا ويعمل في غسل الصحون بإحدى المطاعم ، أو حتى في جني الزيتون بإحدى المزارع المتوسطية ، المهم ألا تراه طاطا فتيحة وتشبع شماتة .
طرحك رائع يا محمد وقولك : ( سنذهب للعيش في صحرائنا العظيمة، و سنفتح هناك ورشات حدادة و نجارة و تفصيل ملابس، و سيتضاعف عدد السكان في مدن الجنوب، و تزيد الحاجة باستمرار، إلى أطباء و معلمين ، فتشيد المستشفيات و المدارس، و العمارات السكنية، و المراكز الترفيهية، و يمكن لها أن تستوعب كل الشعب، و يمكن لكل إنسان أن يحصل على عمل و سكن و دخل يلبي احتياجاته، فقط لو أننا ضحينا و تخلينا عن طبيخ أمهاتنا، و حضن أمهاتنا، لثلاثين عاما، و يمكن بعد ذلك لأولادنا ، أن يستمتعوا بطبيخ أمهاتهم كما يحلوا لهم. ) هو رؤية مستقبلية واعية ، وأسباب تحقيقها بنجاح موجودة فعلا ، لكن عيبنا أن من يكتشف فرصة نجاح يستأثر بها لنفسه ولا يدل غيره عليها رغم أن ( الدال على الخير كفاعله ) مثلا :
أنا أعيش في إحدى ولايات الجنوب الجزائري منذ أربعة سنوات فقط ، لاحظت غياب ثقافة التخضير والزرع لدى سكان المنطقة وبحكم عملي كأستاذة دعوت بعض تلاميذي بمناسبة عيد الشجرة إلى مشروع بسيط : زراعة أي نوع من النبات ، حتى ولو في إصيص بشرفة المطبخ ثم العناية به كأنه ولدنا المدلل العزيز ، بعد عام أخبرني معظمهم أنهم لأول مرة يكتشفون أن نباتات غير شجر النخيل يمكن أن تنبت في بيئتهم الصحراوية بل منهم من أخبرني أن أقارب له جربوا زراعة الموز وبعض النباتات الاستوائية فنجحت التجربة ، بينما أخبرني أحد التلاميذ مؤخرا أن عائلته جربت زراعة شجر الزيتون والمشروع قيد المتابعة ، كما اكتشفت أن صحراءنا غنية جدا بالمياه ، الماء وافر لكن الفرد الصحراوي نشأ على زراعة النخلة فاكتفى بها .
كذلك لاحظت أن الشباب هنا لاينتبهون إلى المشاريع الصغيرة ، بل كل هم الواحد منهم طاولة يبيع فوقها الشاي والفول السوداني ، ويضيف صيفا : الشراب الطازج الذي يعده بوضع مزيج من الفواكه وقطع الثلج في خلاط المطبخ ليجهز في ثوان أمام الزبون ، هذا هو المشروع الوحيد السائد ، رغم كل المعطيات التي تعد بالنجاح في أي مشروع آخر.
من هذا المنطلق أدعو الشباب في صحرائنا الفسيحة إلى مد أيديهم لأبناء وطنهم الوافدين من الشمال والتعاون معهم من أجل استثمار أمثل لمعطيات المنطقة ، والاستفادة من خبرة بعضهم في خلق فرص للعمل الجاد ، خاصة أنني لمستُ عدة مرات استياء شباب الجنوب مما يعتبرونه غزوا شماليا ، في حين أن ما يحدث فعلا هو أنهم لم يمدوا أيديهم لقطف ثمار جنتهم فلما امتدت إليها يد غيرهم ارتعبوا ، وكل ما أخشاه أن تمتد إلى هذه الجنة يد غير جزائرية ونحن نتفرج بل وقد نصفق كالبُلهاء مادام هذا الذي جاء ليس من أبناء بلدنا .
ألم أقل لك : نكأت جرحي ؟
شكرا محمد ، تحيتي واحترامي لفكرك النابض
نشر في الموقع بتاريخ : الثلاثاء 19 رجب 1432هـ الموافق لـ : 2011-06-21
التعليقات
محمد الفاتح حرامي
شكرا لك يا سيدتي الكريمة على التفاعل مع هذا الموضوع، و عندما أتجول في شوارع مدينتي - خنشلة - أثناء الإجازات، و أشاهد الطريقة التي نعيش بها، و طريقة الحوار بين الناس، و حتى ملابسهم، و تنظيم المرور ، و أشكال المباني، أتأسف كثيرا على التقهقر المستمر و التسيب و اليأس.
الجزائر أكبر من دول بلاد الشام و العراق معا، و مع ذلك لا نسمع لها صوتا لا في شأن عربي و لا دولي، و لأن الجزائر كما ذكرت في مقالتي ، تكاد تكون كالهند في المساحة، لكن الهند الآن تخصصت في الصناعات الثقيلة ، و صناعات الكمبيوتر، و نحن تخصصنا في اللاشيء.
حتى تمور " دقلة نور" الجزائرية بامتياز، لا نجد لها أثرا، بينما نجد في أسواق الخليج، دقلة نور تونسية، و أتسائل ، لماذا؟؟؟
على كل حال ، لا أريد أن أنكأ جراحي و جراحك و جراح كل جزائري غيور على هذا البلد، لكنها رسالة يجب أن نبلغها.
شكرا لك سيدتي الكريمة، و حضورك في مقالاتي شرف لي.
ف الزهراء بولعراس
طابت أوقاتك يارتيبة
هي حقائق وأوجاع تؤرقنا وواقع أكثر منها وكما قال محمد الفاتح هناك مظاهر لانكتشفها إلا إذا رأينا وعشنا في أماكن أخرى
بلادنا جميلة وأجمل مما نتصور ولكن شبابنا يعمى عنذلك ويلهث وراء السراب..
شباب يتهم الدولة بأنها لا تممنح الفرص ودولة تتهم الشباب بالكسل والحقيقة أنه كل شئ موجود من هذا ومن ذاك وبلدنا الذي يستطيع أن يعيش فيه أكثر من مئة مليون هاهو يتناحر من أجل بضعة ملايين
المنظفة في بلدنا ترفع صوتها أمام مديرها....ولا تعمل نصف مايطلب منها والمكاتب مليئة بالغبار وأشياء أخرى
هل تعرفين أن المنظفة في الخليج راتبها نصف راتب المنظفة عندنا وتبقى ممسكة بآلات التنظيف لمدة ثمان ساعات دون أن تجرؤ على التفكير في المغادرة إلا بعد أن ينتهي دوامها...كلنا متواطئون على الخراب والأوضاع المأساوية لا يصنعها شخص أو أشخاص بل يصنعها نظام قائم ونظام مواز وهانحن نجني الويلات
لقد كتبت شيئا من انطبعاتي عندما عدت من الخليج وسانشر بعضها عندما أنتهي منها وكلها انطباعات مملوءة بالمرارة لأنني أدركت كم نحن بؤساء في بلد غني وكم نحن غير واعين بما نحن مقبلون عليه...الكلام كثير أيتها الفاضلة لكن العبرة في السؤال ماالحل؟
أنا أنزف وأنا أرى هذه الأوضاع والسطحية التي أصبحنا نعيش بها والتفكك...والتناقضات....
لست أدري ماذا أقول ولكن قد يرجع ذلك إل الجهل والعلم الناقص.لأن العلم الناقص يضر أكثر من الجهل...
سيدتي الفاضلة...جراحنا ستظل مفتوحة إلى أن ينضع القطار عجلاته على السكة الصحيحة فمنى يكون ذلك ياترى؟ظ
شكرا رتيبة
تحياتي لشموخك الذي لازال يرمز إلى أن هناك أملا ولوكان بعيدا
مودتي
هارون زنانرة
والوطن ..جرح مسجى على ليل متخم بالدمع والآهات والخديعة..
في ليلك العميق ياوطني ..أخدوا سمره وتركوا لنا برده وظلمته ..ودهاليز اللحظة الهاربة من حمى الواقع وكسل مؤشرات الزمن..وطن غني لشعب فقير تأخد شبابه كوابيس السفر بالموت الى جنات وهمية ..
من حضن وطن ملّ أبناءه..وينزف الجرح ..وتبقى الخديعة دون رادع..
سادتي ..قرأت هنا ماراق لي ..
شكرا..
هارون زنانرة
والوطن ..جرح مسجى على ليل متخم بالدمع والآهات والخديعة..
في ليلك العميق ياوطني ..أخدوا سمره وتركوا لنا برده وظلمته ..ودهاليز اللحظة الهاربة من حمى الواقع وكسل مؤشرات الزمن..وطن غني لشعب فقير تأخد شبابه كوابيس السفر بالموت الى جنات وهمية ..
من حضن وطن ملّ أبناءه..وينزف الجرح ..وتبقى الخديعة دون رادع..
سادتي ..قرأت هنا ماراق لي ..
شكرا..
أحمد بلقمري
الفاضلان محمد فاتح حرامي و رتيبة بودلال
استمتعت كثيرا بخطابيكما الراقيين..الحل في الجزائر أن نتجه لبناء عاصمة ثانية في الجنوب لإحداث التوازن في التنمية و تحقيق التنمية و الثروة..الموضوع ذو شجون..تقبلا تقديري
جميلة طلباوي
الأستاذة رتيبة بودلال
أيتها الأصيلة
أمرّ من هنا لأحييك تحية تليق بقلمك ، هي صحراؤنا التي ظلمتها الجغرافيا تعاني الحرمان، تقتل أبناءها الرتابة و ويحبطهم الفراغ ،تتشعّب هموم الصغار و الكبار فيها ...
و الصحراء عندهم ..
في الإمارات العربية المتحدة كمثال قريب بما أنّها دولة عربية تتلألأ جنّة فوق الأرض ، و الحديث عن الصحراء الأمريكية شيء آخر ..
ما أجمل بلادنا الشاسعة الكبيرة ، لكن أين الخلل؟
سؤال موجع كلّما استوقفنا..
الشكر موصول للأخ محمد الفاتح و للأستاذة فاطمة بولعراس و لكلّ الأقلام الأصيلة التي شاركت في الموضوع.
رتيبة بودلال
شكرا لأصوات الشمال على تحويل تعليقي إلى موضوع مستقل ، شكرا كما ينبغي أيها الرائعون في أصوات الشمال ، غبت عن النت يومين ثم عدت لأجد كل هذا التواصل ، فألف ألف شكر.
رتيبة بودلال
أخي محمد الفاتح حرامي ، ما تراه في مدينتك خنشلة موجود في كل ولايات الجزائر مع الأسف ، لقد عشت في عدة ولايات ، ومارست مهنتي ( كنت منذ 1993 حتى فيفري 2011 أستاذة رياضيات - التعليم الثانوي ) في كل منها مما وفر لي فرصة الاقتراب من الفرد الجزائري العادي ، و هذا ما يجعل كلامي مؤسسا على وقائع حقيقية ، كم من غصة ابتلعت وأنا أشاهد غرق الجميع في مستنقع العقليات الهدامة ، وذلك التواطؤ الجماعي على نسف كل بارقة أمل : التعاليق المُحبطة ، ذوبان القيم ، السخرية من أي شخص مخلص في عمله ، التطبيع مع كل ما ينافي الطموح والإرادة ، وهلم جهلا ، وإذا تكلمتَ معهم بإيجابية اعتبروك خارج مجال التغطية ، ومدَّعِ للمثالية ، ومجرد مُرائي ، كل ذلك تنضح به أفعالهم وتصرفاتهم التي أبرزها : الكسل الفكري وانعدام الطموح والإرادة ، طبعا مع مهارة مُلفتة في شتم وسب الظروف وفساد الآخرين و عدم صلاح هذه البلاد لأي شيء ...وقس على ذلك .
ذات مرة طلب مني أحد تلاميذي أن أتدخل من أجل إقناع أمه بالسماح له ليلتحق بأحد أسلاك الأمن ، كانت في الواقع عائلته كلها بل عرشه كله يرفضون ذلك بحجة أنه سيضطر للعيش بعيدا عنهم ، وهذا البُعد طبعا لن يخرج عن حدود الوطن ، حدث هذا في 2010 !!
أخي محمد أجدد لك الشكر والتحية ووافر التقديروالاحترام. 
رتيبة بودلال
الفاضلة ، والأخت العزيزة فاطمة الزهراء بولعراس ، وأوقاتك أطيب ،سيدتي ، فعلا تتضح الرؤية أكثر عندما نبتعد بالقدر الكافي ، ربما أنا أيضا ساعدني التنقل عبر عدة ولايات ، ثم العودة إلى جيجل صيفا لقضاء العطلة مع الأهل ، في رؤية أشياء كثيرة ، لكنني متأكدة أن سفركم إلى الخليج فتح أعينكم على إمكانية تحويل الصحراء إلى جنة ، وإلى حجم إمكانات التنمية بل القفزة التنموية المتوفرة ، والتي تظل مشلولة لأسباب يتحمل المواطن مُعظمها ، بسبب ذلك السقف المنخفض من الطموح والذي لا يتعدى عند معظم الناس الحصول على راتب شهري قار ومضمون بمجرد إثبات الحضور اليومي في مقر العمل ، بل يمكن عدم الحضور وليتكفل الزملاء بالتغطية ، المهم الراتب الشهري لا ينقص دينارا واحدا ، وبالتوازي مع الوظيفة يمكن ( التبزنيس ) في ما خف حمله وغلا ثمنه ، نعمة ما بعدها نعمة وليذهب الطموح إلى الجحيم...
آآآآآه أختي ماذا أقول ؟ عندما أرى بعض المحسوبين على التربية يسخرون من ( تحية العلم ) أتساءل عن مقدار حب الوطن الذي يعلمونه لأولادنا ، وعندما ...وعندما.....
على كل حال أنتظر بشغف انطباعاتك ، وأشد على يدك بحرارةعن قولك ( لأن العلم الناقص يضر أكثر من الجهل...)
مودتي ومحبتي ، احترامي وتقديري.
رتيبة بودلال
أخي هارون زنانرة ، شكرا على مرورك المميز ، وحسك الوطني العميق ،
( وطن غني لشعب فقير تأخد شبابه كوابيس السفر بالموت الى جنات وهمية ) نعم جنات وهمية ، فالذي لم يستطع صنع الجنة في وطنه لن يقبله الآخرون في جنتهم ، هي جنة لأهلها أما الذي يخرب كراسي الحافلة ، والمصابيح العمومية ، ويدمر السبورة جدار المدرسة لا يستحق الجنة ولو دخلها لأفسدها، علينا إذن أن نصنع جنتنا في وطننا لا أن نهفو إلى جنان الغير .
تحيتي وتقديري .
رتيبة بودلال
أخي أحمد بلقمري : شكرا على هذا التواصل الجميل ، فعلا الحديث ذو شجون .....
تحيتي وتقديري .
رتيبة بودلال
الفاضلة ، والمتألقة دوما جميلة طلباوي ، أشكر اهتمامك الذي يدل على أصالتك بدورك ، وعلى مستوى اهتماماتك ، فعلا : الصحراء عندهم جنة وعندنا !!
( ما أجمل بلادنا الشاسعة الكبيرة ، لكن أين الخلل؟ )
الخلل فينا يا أختاه ، بما أن الصحراء عند غيرنا جنة فلماذا لا نصنع جنتنا بأيدينا ؟ قبل أن أسافر إلى الصحراء كنت أتصور أنها مجرد خيام ونوق و رمال ، ماذا يعرف سكان الشمال الجزائري عن الصحراء الجزائرية ؟ وعندما دخلتُ ورجلان ( ورقلة ) في خريف 2007 أخذتني الدهشة وأنا أشاهد انحناء النخلة الشامخة بجلال ووقار لأنها محملة بالعراجين الناضجة ، انبهرت حد البكم من جمال منظرها كامرأة حامل توشك أن تضع وليدها ، عندما شقت بنا السيارة الطريق إلى سيدي خويلد ، استمتعت بذلك الإحساس الفريد : السير في طريق يشق مجمع الكثبان الذهبية ( السّْيوفة) كأن السيارة تمشي وسط البحر لكنه بحر ذهبي ، تخيلت إحساس سيدنا موسى عليه السلام والذين عبروا معه عندما ألقى عصاه ، وداهمتني موجة من الغبطة ، ومنذ ذلك اليوم وقعت في حب الصحراء ..
شكرا جميلة ، تحيتي الحارة واحترامي الكبير.


حفل تحنيط
بقلم : رتيبة بودلال
إطلع على مواضيعي الأخرى
[ شوهد : 427 مرة ]

وقف وسط الردهة يستجمع شجاعته ، سيخرج على قدميه فالأسود لا تجلس على الكراسي المتحركة ، الأسود إما أن تمشي على أقدامها وإما أن تموت .
وقف أمام المرآة وامتدت أصابعه المرتعشة لتعدل هندامه الأشيب ، اليوم أول نوفمبر وهو مدعو لإحياء الذكرى رفقة من أخلفهم الموت بعدما خلََّفهم مجد الإستشهاد ، راح يتذكر بحسرة آخر رفيق سلاح توفي منذ أشهر ، رحمه الله وحشره في زمرة الشهداء ، وقعت عيناه على الكرسي المتحرك الذي جلبه له أحد أولاده فتنهد بعمق وحرقة ، قبل أن تمتد يده إلى العصا التي يستعين بها على المشي :
- اللعنة ...هل كان عليهم أن يعمقوا شعوري بالإعاقة هكذا ؟ كرسي متحرك ؟ أنا ..فوق كرسي متحرك؟
وقف وسط الردهة يستجمع شجاعته ، سيخرج على قدميه فالأسود لا تجلس على الكراسي المتحركة ، الأسود إما أن تمشي على أقدامها وإما أن تموت ، فجأة كاد يفقد توازنه فانفجر ساخطا:
- اللعنة عليكم أيها الشياطين الصغار ، لماذا تقفزون بين رجليَّ هكذا ؟ هل تنوون إسقاطي ؟ هيهات لكم....اللعنة على قلة تربيتكم...
ثم أكمل سيل الشتائم والسباب ، بينما واصل الأطفال جريهم ومرحهم ، وهم يرددون بصوت موحد منتش ٍ : ( غٌذوه مانقراوشْ ...شرالي بابا زاوشْ ...حطِّيتو فالبتـِّـيَّه...خرجلي بوسعديَّه.....
كاد أن يقول لهم أشياء كثيرة لكنه أدرك أن لا أحد يسمعه ، الأطفال يركضون ويغنون ، سعداء بهذه العطلة القصيرة التي أتاحها لهم عيد الثورة ، لكن ليس منهم من يستطيع أن يتخيل ما يعنيه هذا اليوم له ، ولا ماكان يمكن أن يكون لولا تلك الشعلة من نار ونور التي أطلقها أجدادهم عندما آمنوا في لحظة يقين أن الحرية تفتدى بالدماء ولا تستجدى بالكلام ....
- الله يرحمك يا بوخميس يا خويا ....
قالها متمتما ثم زمَّ شفتيه طويلا قبل أن يواصل طريقه نحو باب الخروج ، بينما سمع كنَّاته من خلفه يتهامسن :
- صار أكثر إزعاجا ...لا يكف عن زجر الأطفال والحد من حريتهم ..
- المسكين منذ الوعكة الصحية الأخيرة وهو يتصرف بهذا الخرف ..
- اصمتن وإلا نالت كل واحدة منكن نصيبها من إعادة التربية ....
- لا عليك ..قولي ما تشائين فقد صار سمعه ثقيلا....
واصل طريقه بلا مبالاة ، وهو يحمد الله أنهن يعتقدن أن سمعه ثقيل ، هذا يريحه لأنه يستطيع تجاهل تفاهاتهن اليومية ، دون أن يفقد هيبته ووقاره ، هيبته؟ وأية هيبة مازالت في زمن ( غذوه ما نقراوش )؟ وأية هيبة تبقت له بعدما أصبح في نظر أفراد أسرته مجرد عجوز خرف ، يملك تقاعدا مغريا ؟ مجرد بقرة حلوب ، اللعنة على ذلك اليوم الذي بدأ يقبض فيه تقاعده ، مذ ذاك لم يستطع تمييز من يحبه ممن يحابيه :
- إيييه....الله يرحمك يا خويا بوخميس ...
ظل ينقل خطواته على امتداد الشارع القصير الذي يفصل بيته عن مقر قسمة المجاهدين ، كان يمشي هذه الطريق في دقائق معدودة قبل أن يتسبب ارتفاع الضغط الدموي في شبه شلل نصفي بشقه الأيسر ، قال له الطبيب لاحقا في إحدى زياراته الدورية : ( في مثل وعكتك هذه ، إذا نجا المريض من الموت فإنه لا ينجو من شلل نصفي يقعده بقية حياته ، أنت من طينة ناذرة من البشر الذين تتغلب قوة روحهم على المرض ، تهانيَّ ) تذكر ذلك فامتلأت صدره بمزيج من الغبطة والأسى واختلطت عليه مشاعره حتى كادت الدموع تطفر من زاوية عينه اليمنى ، فاليسرى لم تعد تمطر ، لكن لافتة بيضاء وقفت في أفق نظره مكتوب عليها بخط عربي أنيق ( ثانوية الشهيد السعيد بوخميس المختلطه ) وحينها بردت الدمعة الواقفة في طرف جفنه ، ثم تلاشت وهو يتذكر اليوم الذي استشهد فيه ابن عمه وأخوه من الرضاعة ، بوخميس الجنيور ، كان يدرس بالمرحلة الثانوية عندما استبدل كراريسه بالبندقية ومئزره بالقشابية ، كان يحلم أن يصبح مهندسا لكنه استبدل حلمه ذاك بآخر اسمه ( الحريه ) كانت ابتسامته أصفى من سماء ربيعيه ، وكان...كان...
انتبه على صوت مستقبليه وهم يرحبون به ، ويبدون دهشتهم لمجيئه ، ربما اعتقدوا أنه سيرسل من ينوب عنه ، لكنه فاجأ الجميع وحضر ، حضر ليلتقي بمن تبقى من رفقاء الذكريات ، لقاء قد يتكرر بعد أشهر أو بعد عام وقد لا يتكرر أبدا ، إنهم يتناقصون مرة بعد مرة ، في الماضي كان عددهم بالعشرات وهاهو اليوم يتقلص إلى بضع عشرة مجاهدا ، تبادل معهم طقوس التحية والمواساة ، وإيماءات العزاء المتبادل ، ثم حان وقت تسليم التكريمات ، كل شيء صار مستعجلا في هذا الزمن ، لكن لابأس بذلك ، سيمنحه هذا مزيدا من الوقت بعد الحفل ليتبادل الأحاديث مع أصدقاء الوجع أولئك ، حان دوره ليتسلم التكريم ، كان مصرا على اعتلاء المنصة وإلقاء كلمة ، لكن منظمي الحفل أعفوه من ذلك ، إذ تقدم منه أحدهم والارتباك باد على وجهه قائلا :
- فكرنا أن نبعث لك هذه ..... لكنك حضرت إلينا بنفسك ، سننقلها إلى بيتك لاحقا ....
نظر مليا إلى الهدية ، زمَّ شفتيه مطولا وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا ، كرسي متحرك ؟ الجميع يريد تعميق حزنه وإحساسه بالعجز ، من قال لهم أنه بحاجة إلى كرسي متحرك؟
- اللعنة على تكريماتهم المقيته ، هل يريدون تحنيطي ؟
استجمع ما تبقى من قواه ، وغادر القاعة بتثاقل وأسى ، وفي طريق عودته إلى البيت ظلت أصوات الأطفال تردد في بلاهة : غذوه مانقراوش...شرالي بابا زاوش .......
نشر في الموقع بتاريخ : الاثنين 24 ذو القعدة 1431هـ الموافق لـ : 2010-11-01 
التعليقات
فاديا عيسى قراجه
المبدعة رتيبة :
لوحة داكنة لمصير من دفعوا بأرواحهم من غير حساب كي يبقى الوطن عزيزاً كريماً ..
هذا كل ما استطاع صناع القرار أن يضمدوا به جراح الجراح
جميلة أنت يل صديقتي ..
جميلة طلباوي
الأستاذة رتيبة بودلال
لك منّي تحية تليق بك
ربّما نحن أبناء المجاهدين يتملكّنا إحساس خاص كلّما حلّ أول نوفمبر ، نسترجع تلك اللّحظات الجميلة التي كنّا نقضيها مع آبائنا المجاهدين و هم يحدثوننا عن تلك الارادة القوية التي كانت لديهم في تحرير الأرض ، لهذا تجديننا نتأمّل أحوال أولئك الذين بقوا على قيد الحياة متألّمين من وضعهم و ظروفهم و من إحساس مرّ عندما لا يجدون اهتماما من الجيل الجديد بتضحياتهم و بالأخص عندما يخالجهم شعور بأنّ هذا الجيل لم يعرف ثمن الحرّية ،هنالك خلل ما..
و كأنّي بك كتبت نصّك هذا من دم و دموع.
نترحم على أرواح الشهداء و المجاهدين الذين غادروا الحياة و كلّ الاحترام لأولئك الذي ما زالوا على قيد الحياة و ما بدّلوا تبديلا.
فائق احترامي و تقديري.
عمر الحرفاني
قصتك متوسطة الإبداع هذه المرة على الرغم أننا عرفناك قاصة جيدة في كثير من النصوص الإبداعية..
شكرا جزيلا لهذه الاستمرارية
الصديقة فاديا
ما أسعدني بمرورك هذا ، فعلا: اللوحة داكنة لكن الموجع أكثر أنها واقعية مئة بالمئة ، تحيتي لروحك الشفافه.
رتيبة بودلال
الأستاذة جميلة طلباوي :
لقد وضعتِ يدك على شفة الجرح : نحن أبناء المجاهدين نكتشف يوما بعد آخر مقدار ما تعنيه الذكرى ، نكبر وتكبر معنا مشاهد ذلك الإنطفاء والخبو في عيون من عرفناهم أسودا ، أخشى أن يجيء زمن لانجد فيه رجلا واحدا من فصيلة ( مجاهد ) على قيد الحياة ، حينها فقط سندرك أي عمر أهدرناه وأية فجيعة عصفت بنا ...يوجد خلل أي نعم : ربما هو شحُّ ثقافة الحوار في يومياتنا ، فأنا متأكدة أن أجيال ما بعد الإستقلال لايقلون حبا لوطنهم عن أي جيل آخر ( ولنا في تداعيات أم درمان مثالا جليا ) لكن الأزمة حقا هي غياب التواصل بين جيل الثورة وخلفه ، وهو شيء قد يكون بفعل فاعل يجتهد في تقزيم الروح الوطنية بطرق غير مباشرة في غياب الوعي الجماعي وفي غفلة من أصحاب النوايا الطيبة : فالطيبة أحيانا تصبح مرادفا للبلاهة.
وافر التقدير ووابل التحايا. 
رتيبة بودلال
الأخ عمر الحرفاني : لا تتصور كم أسعدني أن أقرأ تعليقا صادقا من شخص لا أعرفه ، ينبهني إلى انخفاض مستوى الإبداع فيما كتبت ، لأن ذلك يدل على أنني لست وحدي ، ثمة من يرصد نبض حرفي ويراقبه وينبهني عند الضرورة ، أشكرك مرة ثانية وأعترف أنني كتبت ذلك المشهد باستعجال ، وعذري أنني لم أستطع تجاهل المناسبة المفخرة ، التي تثير فينا أحيانا زوابع الأسى عندما نعرف أن رجالا كُثرًا ممن قدموا شبابهم وقودا للثورة ، يعيشون على هامش الحياة ، وسط من لا يدرك رفعة مقاماتهم ومدى علو هاماتهم ، كتبت باستعجال لأن وقتي وطاقتي مُحتلاّن من طرف ضرتين متنافستين : وظيفتي كأستاذة رياضيات من جهة ( أقسام نهائية ) وطبيعتي كأم وزوجة محبة لأسرتها ، أما الكتابة فهي عشيقتي السرية ويبدو أنني التقيتها على عجل هذه المرة ، فمعذرة لذوقك الكريم ، وأعدك بالتخلص من الضرة الأولى عما قريب إن شاء الله ، وإعطاء مساحة أكبر من وقتي وجهدي للكتابة .
شكرا مرة أخرى ، دم صادقا و بألف خير.