نكأت جرحي حتى كدت ابكي ؟
بقلم : رتيبة بودلال
إطلع على مواضيعي الأخرى
[ شوهد : 630 مرة ]
هذا تعليق للاستاذة رتيبة بودلال على الاستاذمحمد فاتح حرامي الذي يبكي وطنه .. و نظرا لجمالية الرد و صدقه ارتأينا في اصوات الشمال تحويله الى موضوع .
أخي محمد الفاتح حرامي : نكأت جرحي حتى كدت أبكي ، اختلطت علي مشاعري : هل أبكي على حال أمنا الجزائر مع العاقين من أبنائها ، المجحفين في حقها ، أم أبكي على البسطاء منهم إلى درجة الغفلة وعدم تقدير أفضالها ، أم أبكي من الفرح لأن من بين أبناء الجزائر شاب مثلك يحمل همها بكل هذا الوعي والإخلاص ؟ نعم يا أخي : قلتَ كل ما كان ينبغي أن يُقال وبأسلوب هادىء رزين ، وهذه مهمة المثقف : مخاطبة الآخرين بلغة مفهومة ، دقيقة ومباشرة ، لكن بالعمق الكافي لإثارة عصب الوعي المخذَّر.
نعم ( في الجزائر ثروة سمكية نتعاقد مع شركات إسبانية لصيدها و تعليبها، لأن طاطا زهية تخاف على إبنها من الغرق.) لكن لابأس أن يتسلل إلى قوارب الموت ليلا ليحرق إلى جنوب فرنسا أو إيطاليا ويعمل في غسل الصحون بإحدى المطاعم ، أو حتى في جني الزيتون بإحدى المزارع المتوسطية ، المهم ألا تراه طاطا فتيحة وتشبع شماتة .
طرحك رائع يا محمد وقولك : ( سنذهب للعيش في صحرائنا العظيمة، و سنفتح هناك ورشات حدادة و نجارة و تفصيل ملابس، و سيتضاعف عدد السكان في مدن الجنوب، و تزيد الحاجة باستمرار، إلى أطباء و معلمين ، فتشيد المستشفيات و المدارس، و العمارات السكنية، و المراكز الترفيهية، و يمكن لها أن تستوعب كل الشعب، و يمكن لكل إنسان أن يحصل على عمل و سكن و دخل يلبي احتياجاته، فقط لو أننا ضحينا و تخلينا عن طبيخ أمهاتنا، و حضن أمهاتنا، لثلاثين عاما، و يمكن بعد ذلك لأولادنا ، أن يستمتعوا بطبيخ أمهاتهم كما يحلوا لهم. ) هو رؤية مستقبلية واعية ، وأسباب تحقيقها بنجاح موجودة فعلا ، لكن عيبنا أن من يكتشف فرصة نجاح يستأثر بها لنفسه ولا يدل غيره عليها رغم أن ( الدال على الخير كفاعله ) مثلا :
أنا أعيش في إحدى ولايات الجنوب الجزائري منذ أربعة سنوات فقط ، لاحظت غياب ثقافة التخضير والزرع لدى سكان المنطقة وبحكم عملي كأستاذة دعوت بعض تلاميذي بمناسبة عيد الشجرة إلى مشروع بسيط : زراعة أي نوع من النبات ، حتى ولو في إصيص بشرفة المطبخ ثم العناية به كأنه ولدنا المدلل العزيز ، بعد عام أخبرني معظمهم أنهم لأول مرة يكتشفون أن نباتات غير شجر النخيل يمكن أن تنبت في بيئتهم الصحراوية بل منهم من أخبرني أن أقارب له جربوا زراعة الموز وبعض النباتات الاستوائية فنجحت التجربة ، بينما أخبرني أحد التلاميذ مؤخرا أن عائلته جربت زراعة شجر الزيتون والمشروع قيد المتابعة ، كما اكتشفت أن صحراءنا غنية جدا بالمياه ، الماء وافر لكن الفرد الصحراوي نشأ على زراعة النخلة فاكتفى بها .
كذلك لاحظت أن الشباب هنا لاينتبهون إلى المشاريع الصغيرة ، بل كل هم الواحد منهم طاولة يبيع فوقها الشاي والفول السوداني ، ويضيف صيفا : الشراب الطازج الذي يعده بوضع مزيج من الفواكه وقطع الثلج في خلاط المطبخ ليجهز في ثوان أمام الزبون ، هذا هو المشروع الوحيد السائد ، رغم كل المعطيات التي تعد بالنجاح في أي مشروع آخر.
من هذا المنطلق أدعو الشباب في صحرائنا الفسيحة إلى مد أيديهم لأبناء وطنهم الوافدين من الشمال والتعاون معهم من أجل استثمار أمثل لمعطيات المنطقة ، والاستفادة من خبرة بعضهم في خلق فرص للعمل الجاد ، خاصة أنني لمستُ عدة مرات استياء شباب الجنوب مما يعتبرونه غزوا شماليا ، في حين أن ما يحدث فعلا هو أنهم لم يمدوا أيديهم لقطف ثمار جنتهم فلما امتدت إليها يد غيرهم ارتعبوا ، وكل ما أخشاه أن تمتد إلى هذه الجنة يد غير جزائرية ونحن نتفرج بل وقد نصفق كالبُلهاء مادام هذا الذي جاء ليس من أبناء بلدنا .
ألم أقل لك : نكأت جرحي ؟
شكرا محمد ، تحيتي واحترامي لفكرك النابض
نشر في الموقع بتاريخ : الثلاثاء 19 رجب 1432هـ الموافق لـ : 2011-06-21
التعليقات
محمد الفاتح حرامي
شكرا لك يا سيدتي الكريمة على التفاعل مع هذا الموضوع، و عندما أتجول في شوارع مدينتي - خنشلة - أثناء الإجازات، و أشاهد الطريقة التي نعيش بها، و طريقة الحوار بين الناس، و حتى ملابسهم، و تنظيم المرور ، و أشكال المباني، أتأسف كثيرا على التقهقر المستمر و التسيب و اليأس.
الجزائر أكبر من دول بلاد الشام و العراق معا، و مع ذلك لا نسمع لها صوتا لا في شأن عربي و لا دولي، و لأن الجزائر كما ذكرت في مقالتي ، تكاد تكون كالهند في المساحة، لكن الهند الآن تخصصت في الصناعات الثقيلة ، و صناعات الكمبيوتر، و نحن تخصصنا في اللاشيء.
حتى تمور " دقلة نور" الجزائرية بامتياز، لا نجد لها أثرا، بينما نجد في أسواق الخليج، دقلة نور تونسية، و أتسائل ، لماذا؟؟؟
على كل حال ، لا أريد أن أنكأ جراحي و جراحك و جراح كل جزائري غيور على هذا البلد، لكنها رسالة يجب أن نبلغها.
شكرا لك سيدتي الكريمة، و حضورك في مقالاتي شرف لي.
ف الزهراء بولعراس
طابت أوقاتك يارتيبة
هي حقائق وأوجاع تؤرقنا وواقع أكثر منها وكما قال محمد الفاتح هناك مظاهر لانكتشفها إلا إذا رأينا وعشنا في أماكن أخرى
بلادنا جميلة وأجمل مما نتصور ولكن شبابنا يعمى عنذلك ويلهث وراء السراب..
شباب يتهم الدولة بأنها لا تممنح الفرص ودولة تتهم الشباب بالكسل والحقيقة أنه كل شئ موجود من هذا ومن ذاك وبلدنا الذي يستطيع أن يعيش فيه أكثر من مئة مليون هاهو يتناحر من أجل بضعة ملايين
المنظفة في بلدنا ترفع صوتها أمام مديرها....ولا تعمل نصف مايطلب منها والمكاتب مليئة بالغبار وأشياء أخرى
هل تعرفين أن المنظفة في الخليج راتبها نصف راتب المنظفة عندنا وتبقى ممسكة بآلات التنظيف لمدة ثمان ساعات دون أن تجرؤ على التفكير في المغادرة إلا بعد أن ينتهي دوامها...كلنا متواطئون على الخراب والأوضاع المأساوية لا يصنعها شخص أو أشخاص بل يصنعها نظام قائم ونظام مواز وهانحن نجني الويلات
لقد كتبت شيئا من انطبعاتي عندما عدت من الخليج وسانشر بعضها عندما أنتهي منها وكلها انطباعات مملوءة بالمرارة لأنني أدركت كم نحن بؤساء في بلد غني وكم نحن غير واعين بما نحن مقبلون عليه...الكلام كثير أيتها الفاضلة لكن العبرة في السؤال ماالحل؟
أنا أنزف وأنا أرى هذه الأوضاع والسطحية التي أصبحنا نعيش بها والتفكك...والتناقضات....
لست أدري ماذا أقول ولكن قد يرجع ذلك إل الجهل والعلم الناقص.لأن العلم الناقص يضر أكثر من الجهل...
سيدتي الفاضلة...جراحنا ستظل مفتوحة إلى أن ينضع القطار عجلاته على السكة الصحيحة فمنى يكون ذلك ياترى؟ظ
شكرا رتيبة
تحياتي لشموخك الذي لازال يرمز إلى أن هناك أملا ولوكان بعيدا
مودتي
هارون زنانرة
والوطن ..جرح مسجى على ليل متخم بالدمع والآهات والخديعة..
في ليلك العميق ياوطني ..أخدوا سمره وتركوا لنا برده وظلمته ..ودهاليز اللحظة الهاربة من حمى الواقع وكسل مؤشرات الزمن..وطن غني لشعب فقير تأخد شبابه كوابيس السفر بالموت الى جنات وهمية ..
من حضن وطن ملّ أبناءه..وينزف الجرح ..وتبقى الخديعة دون رادع..
سادتي ..قرأت هنا ماراق لي ..
شكرا..
هارون زنانرة
والوطن ..جرح مسجى على ليل متخم بالدمع والآهات والخديعة..
في ليلك العميق ياوطني ..أخدوا سمره وتركوا لنا برده وظلمته ..ودهاليز اللحظة الهاربة من حمى الواقع وكسل مؤشرات الزمن..وطن غني لشعب فقير تأخد شبابه كوابيس السفر بالموت الى جنات وهمية ..
من حضن وطن ملّ أبناءه..وينزف الجرح ..وتبقى الخديعة دون رادع..
سادتي ..قرأت هنا ماراق لي ..
شكرا..
أحمد بلقمري
الفاضلان محمد فاتح حرامي و رتيبة بودلال
استمتعت كثيرا بخطابيكما الراقيين..الحل في الجزائر أن نتجه لبناء عاصمة ثانية في الجنوب لإحداث التوازن في التنمية و تحقيق التنمية و الثروة..الموضوع ذو شجون..تقبلا تقديري
جميلة طلباوي
الأستاذة رتيبة بودلال
أيتها الأصيلة
أمرّ من هنا لأحييك تحية تليق بقلمك ، هي صحراؤنا التي ظلمتها الجغرافيا تعاني الحرمان، تقتل أبناءها الرتابة و ويحبطهم الفراغ ،تتشعّب هموم الصغار و الكبار فيها ...
و الصحراء عندهم ..
في الإمارات العربية المتحدة كمثال قريب بما أنّها دولة عربية تتلألأ جنّة فوق الأرض ، و الحديث عن الصحراء الأمريكية شيء آخر ..
ما أجمل بلادنا الشاسعة الكبيرة ، لكن أين الخلل؟
سؤال موجع كلّما استوقفنا..
الشكر موصول للأخ محمد الفاتح و للأستاذة فاطمة بولعراس و لكلّ الأقلام الأصيلة التي شاركت في الموضوع.
رتيبة بودلال
شكرا لأصوات الشمال على تحويل تعليقي إلى موضوع مستقل ، شكرا كما ينبغي أيها الرائعون في أصوات الشمال ، غبت عن النت يومين ثم عدت لأجد كل هذا التواصل ، فألف ألف شكر.
رتيبة بودلال
أخي محمد الفاتح حرامي ، ما تراه في مدينتك خنشلة موجود في كل ولايات الجزائر مع الأسف ، لقد عشت في عدة ولايات ، ومارست مهنتي ( كنت منذ 1993 حتى فيفري 2011 أستاذة رياضيات - التعليم الثانوي ) في كل منها مما وفر لي فرصة الاقتراب من الفرد الجزائري العادي ، و هذا ما يجعل كلامي مؤسسا على وقائع حقيقية ، كم من غصة ابتلعت وأنا أشاهد غرق الجميع في مستنقع العقليات الهدامة ، وذلك التواطؤ الجماعي على نسف كل بارقة أمل : التعاليق المُحبطة ، ذوبان القيم ، السخرية من أي شخص مخلص في عمله ، التطبيع مع كل ما ينافي الطموح والإرادة ، وهلم جهلا ، وإذا تكلمتَ معهم بإيجابية اعتبروك خارج مجال التغطية ، ومدَّعِ للمثالية ، ومجرد مُرائي ، كل ذلك تنضح به أفعالهم وتصرفاتهم التي أبرزها : الكسل الفكري وانعدام الطموح والإرادة ، طبعا مع مهارة مُلفتة في شتم وسب الظروف وفساد الآخرين و عدم صلاح هذه البلاد لأي شيء ...وقس على ذلك .
ذات مرة طلب مني أحد تلاميذي أن أتدخل من أجل إقناع أمه بالسماح له ليلتحق بأحد أسلاك الأمن ، كانت في الواقع عائلته كلها بل عرشه كله يرفضون ذلك بحجة أنه سيضطر للعيش بعيدا عنهم ، وهذا البُعد طبعا لن يخرج عن حدود الوطن ، حدث هذا في 2010 !!
أخي محمد أجدد لك الشكر والتحية ووافر التقديروالاحترام.
رتيبة بودلال
الفاضلة ، والأخت العزيزة فاطمة الزهراء بولعراس ، وأوقاتك أطيب ،سيدتي ، فعلا تتضح الرؤية أكثر عندما نبتعد بالقدر الكافي ، ربما أنا أيضا ساعدني التنقل عبر عدة ولايات ، ثم العودة إلى جيجل صيفا لقضاء العطلة مع الأهل ، في رؤية أشياء كثيرة ، لكنني متأكدة أن سفركم إلى الخليج فتح أعينكم على إمكانية تحويل الصحراء إلى جنة ، وإلى حجم إمكانات التنمية بل القفزة التنموية المتوفرة ، والتي تظل مشلولة لأسباب يتحمل المواطن مُعظمها ، بسبب ذلك السقف المنخفض من الطموح والذي لا يتعدى عند معظم الناس الحصول على راتب شهري قار ومضمون بمجرد إثبات الحضور اليومي في مقر العمل ، بل يمكن عدم الحضور وليتكفل الزملاء بالتغطية ، المهم الراتب الشهري لا ينقص دينارا واحدا ، وبالتوازي مع الوظيفة يمكن ( التبزنيس ) في ما خف حمله وغلا ثمنه ، نعمة ما بعدها نعمة وليذهب الطموح إلى الجحيم...
آآآآآه أختي ماذا أقول ؟ عندما أرى بعض المحسوبين على التربية يسخرون من ( تحية العلم ) أتساءل عن مقدار حب الوطن الذي يعلمونه لأولادنا ، وعندما ...وعندما.....
على كل حال أنتظر بشغف انطباعاتك ، وأشد على يدك بحرارةعن قولك ( لأن العلم الناقص يضر أكثر من الجهل...)
مودتي ومحبتي ، احترامي وتقديري.
رتيبة بودلال
أخي هارون زنانرة ، شكرا على مرورك المميز ، وحسك الوطني العميق ،
( وطن غني لشعب فقير تأخد شبابه كوابيس السفر بالموت الى جنات وهمية ) نعم جنات وهمية ، فالذي لم يستطع صنع الجنة في وطنه لن يقبله الآخرون في جنتهم ، هي جنة لأهلها أما الذي يخرب كراسي الحافلة ، والمصابيح العمومية ، ويدمر السبورة جدار المدرسة لا يستحق الجنة ولو دخلها لأفسدها، علينا إذن أن نصنع جنتنا في وطننا لا أن نهفو إلى جنان الغير .
تحيتي وتقديري .
رتيبة بودلال
أخي أحمد بلقمري : شكرا على هذا التواصل الجميل ، فعلا الحديث ذو شجون .....
تحيتي وتقديري .
رتيبة بودلال
الفاضلة ، والمتألقة دوما جميلة طلباوي ، أشكر اهتمامك الذي يدل على أصالتك بدورك ، وعلى مستوى اهتماماتك ، فعلا : الصحراء عندهم جنة وعندنا !!
( ما أجمل بلادنا الشاسعة الكبيرة ، لكن أين الخلل؟ )
الخلل فينا يا أختاه ، بما أن الصحراء عند غيرنا جنة فلماذا لا نصنع جنتنا بأيدينا ؟ قبل أن أسافر إلى الصحراء كنت أتصور أنها مجرد خيام ونوق و رمال ، ماذا يعرف سكان الشمال الجزائري عن الصحراء الجزائرية ؟ وعندما دخلتُ ورجلان ( ورقلة ) في خريف 2007 أخذتني الدهشة وأنا أشاهد انحناء النخلة الشامخة بجلال ووقار لأنها محملة بالعراجين الناضجة ، انبهرت حد البكم من جمال منظرها كامرأة حامل توشك أن تضع وليدها ، عندما شقت بنا السيارة الطريق إلى سيدي خويلد ، استمتعت بذلك الإحساس الفريد : السير في طريق يشق مجمع الكثبان الذهبية ( السّْيوفة) كأن السيارة تمشي وسط البحر لكنه بحر ذهبي ، تخيلت إحساس سيدنا موسى عليه السلام والذين عبروا معه عندما ألقى عصاه ، وداهمتني موجة من الغبطة ، ومنذ ذلك اليوم وقعت في حب الصحراء ..
شكرا جميلة ، تحيتي الحارة واحترامي الكبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق