أيها الفرنسيون ، أيها الجزائريون : ارفعوا أيديكم عن ألبير كامي
بقلم : رتيبة بودلال
إطلع على مواضيعي الأخرى
[ شوهد : 912 مرة ]

ستة أسئلة محددة ، واضحة ، جريئة و متأنية طرحها ملف أصوات الشمال حول ألبير كامي ، وكم تمنيت لو التزم الأساتذة المشاركون فيه بالإجابة عن كل سؤال بشكل مستقل ، حتى تكون مداخلاتهم أكثر التزاما بالملف و أكثر إفهاما و إفحاما .
1 - كيف يمكن اليوم قراءة المنجز الروائي لألبير كامي بعد قانون تمجيد الاستعمار الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي؟
المنجز الروائي لأي كاتب هو انعكاس صادق لتفاعلات عناصر عديدة : الشخصية البيولوجية للكاتب ، التنشئة النفسية له، المعتقد الديني ، البيئة الاجتماعية ، المستوى الاقتصادي و الاجتماعي ...الخ ، لذلك أستهجن هذا السؤال ، إذ أجد من المخالف للإنصاف إقحام مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون تمجيد الإستعمار، والذي جاء بعد خمس وأربعين سنة من رحيل كامي، في قراءتنا للمنجز الروائي لرجل لم يعرف الجزائر المستقلة ، ولم يتخيلها يوما ، لقد أنجز كامي كتاباته في سياق تاريخي معين ومن العدل ألا ّ نسلخها منه ، و ألا ّ تُـقرأ خارجه.
2 - هل يمكن النّظر إلى هذا المنجز الروائي بعين أدبية جمالية و فنّية عصرية بعيدا عن موقف صاحبه المتذبذب من الثورة الجزائرية و هو المولود بالجزائر و ينتمي إلى ما يعرف بالأقدام السوداء؟
عندما ظهرت تسمية الأقدام السوداء أطلقت على المستوطنين الذين استقدموا إلى الجزائر خلال فترة الاستعمار وكانوا ينتعلون أحذية سوداء، على اعتبار انهم قادمون للعمل، في الأراضي الزراعية الجزائرية ، ثم أطلقت فيما بعد على سكان الجزائر من أصل أوروبي الذين غادروها بعد الإستقلال وظلت قلوبهم تهمي إلى مراتع الطفولة ، غادروا بغصة في الحلوق لأنهم أصبحوا بلا أوطان فلا هم فرنسيون خالصون لأنهم ولدوا وعاشوا وتناسلوا في الجزائر، ولا هم جزائريون بحق لأنهم من سلالة الغزاة الظالمين مغتصبي الجزائر ، لم يكن ألبير كامي ممن استقدموا إلى الجزائر ولا ممن غادروها بعد الاستقلال فهو إذن ليس من الأقدام السوداء ، لقد ولد وعاش في جزائره الخاصة : الجزائر الفرنسية ، جزائر وهمية من صنع فرنسا الظالمة ، ولم يعرف الجزائر التي نعرفها اليوم وندافع عنها ونتهمه بعدم حبها ، كيف يحب جزائر تتوعده بالطرد و تهدده بالشتات ؟ كان صادقا مع نفسه أكثر عندما أحب الجزائر التي تحتضنه ، ولم يكن مطالبا بحب جزائر ستقصيه وتتبرأ منه : كان ابنا لاشرعيا للجزائر لكن حتى الأبناء اللاشرعيون يحبون البقاء في أحضان أمهاتهم ، وهذا في اعتقادي ما يفسر الموقف المتذبذب لكامي من الثورة ، فإذا تقبلنا هذه الحقيقة ، يكون من السهل علينا قراءة كامي كما هو لا كما نعتقد أنه كان ينبغي أن يكون ، وبهذا نسلم من خطيئة السطو على حقه في أن يكون قد أحب الجزائر التي أحبته ، وأنه دافع عنها باستماتة حتى لا تزول من خارطة الوجود : الجزائر الفرنسية ، التى مافتىء كثيرون يعتبرونها ( الفردوس المفقود ) ، فلنقرأ ألبير كما كان ، لا كما نريده أن يكون ، ألبير الذي كان يخشى أن تتخلى عنه أمه اللاشرعية ( الجزائر ) لزوجة أبيه القاسية ( فرنسا ) ، كان معذورا في أن يتذبذب أو حتى ينتحر ، وهذه أيضا من منجزات الفترة الإستعمارية المجيدة !!
3 - و ما طبيعة تيماته و موضوعاته التي لا تغوص في أعطاب المجتمع الجزائري آنذاك و تكتفي بالنّظرة الخارجية له رغم استخدامه لرموز كثيرة تحيل الى أرض المنشأ أي الجزائر و هذا غير كاف؟
عندما يكتشف الانسان غربته ، و يتأكد من حتمية تشرذمه ، وتتحول الحياة في نظره إلى عبثٍ إجباري مقيت ، حينها لن يرى أبعد من جرحه ، يحق لنا بعد ذلك ألا ّ نعتبره من الكبار ولكن لا يحق لنا أن نكيل له التهم الجاهزة ، وأن نجلده على الملأ ، وأن نحاكمه غيابيا ، ثم ندينه ونطوي الملف ، وألبير كامي لم يكن ليرى أبعد من جرحه: أصول إسبانية ، مولد ونشأة جزائريتان ، جنسية فرنسية ، كوكتيلا من المشاعر المتداخلة بالانتماء إلى لا مكان ، و بهشاشة الأرض التي يقف فوقها ، إني لأكاد أسمعه يسأل المرآة الخرساء: ( من أنا؟ أشبه من ؟ أم أنني مسخ مشوه بلا وجه ولا اسم؟ ) ، فكيف لرجل مثله أن يختار تيمات وموضوعات تغوص في أعطاب المجتمع الجزائري ؟ الرجل كان كنبتة اقتلعت من جذورها ثم تركت في العراء ، وكان من حقه أن يفقد بوصلته و ينحاز للجنون ، لذلك يحق لنا ألا ّ نمجّده ، ولكن لا يحق لنا أن نلعنه.
4 - هل يصح الحديث عن تعارض الإيديولوجية الكاموية إن صحّ التعبير و بين الوصف الجزئي ؟
هل المقصود بالوصف الجزئي: تسليط الضوء على بقعة بعينها مع إهمال محيطها العام وبالتالي التعتيم على تفاصيل ذات علاقة ؟ التركيز المتعمد على جوانب مع الإغفال - المتعمد أيضا - لجوانب أخرى ، خدمة لفكرة يراد تمريرها ؟ وهل المقصود بالإيديولوجيا الكاموية: تلك العبثية الطافحة ، التي تنضح بها أفكاره ؟ يبدو لي هذا السؤال بحاجة إلى إعادة صياغة.
5 - و ما قصة القافلة الثقافية التي قامت دوائر قريبة من قصر الاليزيه بتنظيمها ؟ و هل هذه القافلة هي مجرّد جس نبض المثقف الجزائري و معرفة رأيه من مطالب الجزائر الرسمية و الثورية من ضرورة تعويض فرنسا للجزائر عن جرائمها المرتكبة أثناء فترة استعمارها لهذا البلد ؟
كم من كلمة حق أريد بها باطل؟أخيرا اهتدت فرنسا إلى طريقة لئيمة لكسب التعاطف الشعبي الجزائري ، أملا ً في إسقاط مطلب الإعتذار : التقرب إليه عبر ذكرى ألبير كامي الذي تحسبه فرنسا على الجزائر، و تريده سفيرا فوق العادة ، لقد أخطأت فرنسا مرة أخرى في اختيار السفير الأنسب ، الشعب الجزائري متَّقد الذاكرة ، لم ولن يراجع موقفه من آلة الكره الفرنسية المقيتة التي تعاملت مع بشريته ، كما تتعامل مع قوارض الحقول والحشرات الضارة ، الشعب الجزائري يدرك أن التنازل عن الحق خيانة للذاكرة وللدماء التي سفكتها وحشية الإدارة الفرنسية ، لذلك لن يرضى بأقل من الإعتراف المتبوع بالإعتذار، المعزز بالتعويضات ، وبدفع الديون المتأخرة التي يعود تاريخها إلى ما قبل الإحتلال .
إن التوظيف السياسي لذكرى ألبير كامي هو إهانة رسمية لتاريخه الحافل بالأوجاع التي سببتها له فرنسا ، عندما جعلته يولد على أرض لا تحبه ، ويشب في شوارع تقرف من أنفاسه الأوروبية ، ويكبر وهو يسمع أنين الأرض تحت قدميه ، ويشهد على بؤِسها اليومي بل ويكتب عنه بمرارة دون أن يستحق في النهاية أن يقال عنه: جزائري ، إيييه يا فرنسا سيمقتك حتى أبناؤك عندما يدركون بشاعة وجهك القبيح مادمت تصرين على إنكار جرائمك ، بل و تمجدينها.
6 - و أخيرا هل من الممكن اعتبار ألبير كامي كاتبا جزائريا ؟
لقد رحل ألبير كامي عن الدنيا قبل أن تولد جزائر الإستقلال ، رحل عندما كانت الجزائر فرنسية ، وهو ابن تلك الجزائر شئنا أم أبينا ، أما جزائر اليوم فهو لا يعرفها ، ولم يكن ليتمنى أن يعرفها ، غادر الدنيا قبل أن يتحتم عليه فقدان وطنه الوحيد ، والتحول إلى غيمة هائمة لا تهمي ولا تنهمر ، و لا يجوز لفرنسا أن تزعجه في رقدته الأبدية لخدمة مصالحها السياسية ولا يليق بالجزائر الحرة المسلمة نبش قبره بعد خمسين سنة من رحيله لتقول له : لست ابني .
نشر في الموقع بتاريخ : الأحد 11 جمادى الأول 1431هـ الموافق لـ : 2010-04-25
التعليقات
محمد الصغير داسه
ياعرب..ياأمة قد ضحكت عليها الأمم..لاتلتمسوا الأعذار للكفرة والمارقين..من يكون هذا البيرو..حتى تزهق الكلمات من اجله ويسبل الحبر اودية لتبييض وجهه..تحدثوا عن اخوتكم المسحوقين الذين ناضلوا من اجل استقلال وطنكم..من اجل بنائه...ماهذا التهافت على رجل مجده الاستعمار كما مجد جرائمه...ان ابناءنا يجهلون تاريخهم، ويجهلون رجالهم وشهداء الحرية..والله لوسألت أيتها الأخت الكريمة عن العربي التبسي الذي يجهل كيف مات لم يجبك المثقفون ،واذا سئل ابناؤنا عن جرائم الاستعمار لأجابوا بان فرنسا كانت حربها علينا حضارة وفتحامبينا..والدليل على ذلك هانحن نشغل انفسنا بالترهات وننسى جوهر الصراع...بل نغذي افعال الأقدام السوداء الذين كانوا سراق الثروة ومبتزي الشعب الجزائري..لماذا لانقول ارفعوا ايديكم عن الجزائر؟ لماذا لانقول عن عنصرية النضام الفرنسي شيئا؟لماذا نبشت قبور الثوار وزعماء الحرية ولم تتحرك الأقلام ؟ انها لخدمة غير مباشرة لأذناب المستعمر، اننا نريد أن نتقرب منهم وهم يبتعدون وعنا يضحكون..ان للبيروامة تحميه وتريد اعادة حفر اسمه في الذاكرة الجزائرية وللجزائر ابناؤها ةأدباؤها..فأدب البيرو لايحرك حبات رمل ولايعطينا تيكنولوجا ولايرفع الضيم والغبن عن شعوبنا.....دعيني اعتذرلك فلقد استعملت نصك مطية لأقول ما يجب ان يقول...فالتحية لك والشكر الجزيل...م.ص.داسه
رتيبة بودلال
هل تعرف يا سيدي الفاضل أن أشنع عيوبنا هو انفعاليتنا الزائدة ، وتهافتنا على كيل الشتائم لبعضنا ، في سباق هيستيري لإفراغ تراكماتنا الثقيلة ؟ نعم : يغلي دمنا بسرعة البرق ، فنثور و نفور ونقذف حممنا الدفينة في وجه بعضنا ، ثم نسترخي ، لأننا نكون قد أثبتنا لضمائرنا أننا قمنا بالواجب ، نعم هكذا نتناقش : نتناكش و نتشاكس ونتبادل الشتائم والتهم ، ونزايد على بعضنا في إعلان الشعارات الفخمة ، الضخمة ،الملونة بألوان الراية الوطنية ، وتنتهي ثوراتنا بمجرد الإفراغ ، ولا يهم ما يكون بعدها لأننا ضمِنَّا رشوة ضمائرنا وربحنا حربنا الكلامية ......تصفييييييييييييييييييق.
لذلك يا سيدي الفاضل أعفيك من الاعتذار عن استعمالك نصي مطية لتقول ما يجب أن يقال ، فهذا طبيعي عندنا ، وأنا أتفهّم ، وألتمس لإخوتي سبعين عذرا مثلما أوصاني الرسول الكريم ، محمد المصطفى – صلى الله عليه وسلم – بل إننى لسعيدة بالمشاعر التي أثارها نصي فيكم ودفعتكم إلى إعلان هذه الغيرة على الجزائر الحبيبة ، الجزائر التي نغارعليها بشراسة حتى ليكاد الواحد منا ينكر على غيره أن يشاركه حبها ، إنها الجزائر التي لا نملك ألا ّ نتنافس في حبها ، ولكن : يؤسفني هذا التشاؤم الذي تصطبغ به نظرتنا إلى أنفسنا (ان ابناءنا يجهلون تاريخهم، ويجهلون رجالهم وشهداء الحرية..والله لوسألت أيتها الأخت الكريمة عن العربي التبسي الذي يجهل كيف مات لم يجبك المثقفون ،واذا سئل ابناؤنا عن جرائم الاستعمار لأجابوا بان فرنسا كانت حربها علينا حضارة وفتحامبينا..) لا يا سيدي ، لا تقسم بالله و لا توقع نفسك في فخ التعميم ، الشعب الجزائري الذي قاوم كل محاولات فرنسا لطمس هويته ومقومات شخصيته عندما كان يرزح تحت نير الاحتلال ، لن يتخلى عن جزائريته اليوم وهو ينعم بالسيادة والاستقلال ، ولن يتنكر لتاريخه وثراته الفكري والحضاري ، لمجرد أن صدره اتسع لفتح ملف حول ألبير كامي ، وأبناؤنا لا يجهلون تاريخهم وتضحيات شهداء الثورة ، بل يعتزون ويفخرون ، ويتباهون برموزهم الوطنية ، وأنا لا أقول ذلك من باب التنجيم ولكن لأنني لمست هذه الحقيقة وأمسكتها بيديّ على امتداد سنوات اشتغالي بالتعليم ، خاصة أن تلاميذي كلهم من فئة الشباب: المستوى الثانوي ، و ما ينقص أبناءنا حقا هو أن نقتنع بهم و نسمع لهم ونزودهم بجرعات مناسبة من الوعي ، شبابنا بخير لكننا نرفض أن نراهم كذلك ، أو نخشى أن نعلن ذلك ، لأننا نؤمن بشعار خطير مفاده ( مالازمش نحلـُّولهم عينيهم!! ) أو ربما لأننا نعتقد أن جيلنا أصلح من جيلهم ، وهذه مغالطة أخرى : على كل حال نحن من قام بتربيتهم و علينا أن نحصد ما زرعنا .
أخيرا يا سيدي الفاضل ، أدعوك إلى إعادة قراءة نصي ، إذ بدا لي من خلال تعليقك أنك لم تقرأه بتمعن...دمتَ أخًا.
محمد الصغير داسه
الأستاذة رتيبة بودلال..لم أكن أتوقع أن تنفجري براكين غضب وترمي بحممك بعيدا، لم أخاطبك ولم أقولك مالم تقولين ،تحدثت مع النص واستعملته مادام معروضا.. ولم أسفهك وإنما علقت وتعليقي كان توصيفا لواقع استفتحت بنداء ياعرب....وأحسبك تبتهجين فأنا الوحيد الذي قرأت وعلقت..وليست المرة الأولى أقرأ فيها للزملاء والزميلات.. ولأول مرة اصدم.. ردك يارتيبة..كان جميلا يحمل ثقافة رفيعة من أستاذة متخلقة تحمل رسالة..وحامل الرسالة لايتصف إلا بصفات الكمال..لدي ماأقول. ولكن من الأحسن أن اسكت..وما دمنا من أسرة التربية اسمح لك أن تتعلمي التجريح ..والكلام القبيح ولا اجيبك..ولا أزيد عن هذا فلك الشكر على ألفاظك المتخيّرة، وعذب كلماتك المعبرة ...شكرا أيتها الطيبة المتأدبة..والسلام عليك ورحمة الله وبركاته....م.ص.داسه
رتيبة بودلال
سيدي الفاضل : محمد الصغير داسة
تابعت بتقدير بالغ ما تنشره على صفحات أصوات الشمال، وأُعجبت بمواظبتك على التفاعل الإيجابي مع ما ينشر ، ويسعدني أن تقرأ لي و تترك بصمتك على صفحتي ، وأرجو أن يتسع صدرك لرجع الصدى ، وأعتقد جازمة أن انتماءك إلى أسرة التربية والتعليم قد أكسبك المناعة الكافية ضد الهزات الإرتدادية ، مودتي و شكري ، و دمت َ أخا
جميلة طلباوي
الأستاذة الفاضلة رتيبة بودلال ، الأستاذ الفاضل محمد الصغير داسة أثلجتما صدورنا بهذه المصافحة بعدما وضعنا أيدينا على قلوبناو نحن نقرأ التعليق على الموضوع و الردّ عليه ، فنحن في أصوات الشمال حين نثير المواضيع للنقاش نريد أن نفسح فضاء للجميع ليعبّر كل واحد عن وجهة نظره بكل احترام و دون إقصاء أو تهميش للآخر تكريسا لروح الحوار التي من المفروض أن تكون النخبة المثقفة أول من يتحلى بها ، و قد أثبتما فعلا بهذه المصافحة نبلكما، نفس المصافحة نريدها بين نبيلين آخرين هما الفنّان العالمي بوكرش محمد والأستاذ أحمد دلباني فنحن نعتز بهما صوتين رائعين من أصوات الشمال و يبقى الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية . نريد أن تكون أصوات الشمال فضاء للتحاور و التواصل و التقارب، ما أروع وجودكم جميعا.
والتحية و التقدير للجميع.
رتيبة بودلال
العزيزة جميلة طلباوي :
أشكر لفتتك الطيبة وحضورك العطر على هذه الصفحة ، وأضم صوتي إلى صوتك فيما يتعلق بأخوينا الأستاذ دلباني والفنان بوكرش ، لأن اختلافنا في نظرتنا للأشياء ينبغي ألآ ّيتجاوز كونه اختلافا في الرأي ،أما أن يتحول إلى تنابز و تراشق فهذا سيؤدي إلى أنكماش كل واحد منا على ذاته و احتفاظه بآرائه لنفسه، وحينئذ نصبح غرباء عن بعضنا وتلك خسارة لا نريدها بالطبع ، لأن الذي تتقد في رأسه جمرة الكتابة هو في الحقيقة ثائر ضد الصمت والوحدة والغربة فكيف يسعى إليهما بإرادته؟
اختلافنا في الرأي هو الذي يضمن أن تفصل بيننا مسافة كافية لكي نرى بعضنا بوضوح ، لكن إذا زادت هذه المسافة عن الحد المعقول فستنعدم الرؤية ،وإذا نقصت هذه المسافة إلى الحد التي نصبح فيه نسخا متطابقة أيضا ستنعدم الرؤية ، ليس عيبا أن نحافظ على شعرة معاوية بل الشجاعة الأدبية تجعل ذلك واجبا علينا
أجدد المصافحة مع الأستاذ المربي الفاضل محمد الصغير داسة ، و أقول له: تشرّفت بمعرفتك ، والسلام عليكم
عبد الحفيظ بن جلولي
الاستاذة رتيبة بودلال المحترمة:
تحية طيبة وبعد،،
ان الالتفات الى هذه المحطات الفكرية المتعلقة بتاريخية الوطن في مساره نحو تكريس هويته واثارة النقاش حول المدى التعددي في جذور البنية الرافدة للثقافة الذاتية، يمثل اكثر من اضاءة للعودة المستمرة الى قراءة الذات.
ان كامو لا تتحدد رؤيته وموقفه من الجزائر من خلال اعتبارها مكان ميلاده، و بالتالي نرى حبه لها في اطار هذه العلاقة المنشئية، لانه اولا وأخيرا يعتبر مفكرا، وعلاقته بالأشياء تتحدد من خلال اثاره الفكرية، ولعل جدل الهوية والانتماء لديه يتحدد من خلال عناوينه وطروف تكوينه الخاضعة لغربته ومحاولاته لتثبيت هويته الصائرة الى الام القائمة واقعا ذات الجدر الاستعماري، وهذا يفهم بالمخالفة مع صورة الام اللامبالى بها في نص الغريب.
دمتم مميزين
تحياتي واحترامي.
رتيبة بودلال
شكرا لك سيدي على هذا المرور الأنيق ، و تحية كبيرة للموضوعية التي تميز بها تعليقك المتأني ، الهاديء ، الرصين
ما يسبب لي الصداع حقا يا أستاذ ، هو التهم والإدانات الجاهزة التي لا تستند إلى حجج دامغة ، أرفض أن يبدو المفكر الجزائري كالذي يرتعد خوفا من الحبل لأن الأفعى لذغته ذات مرة ، وأفضل الرصانة المعززة بالحجة والبرهان ، أحب أن أرى الجزائري يتحدث بثقة و بنديّة مفحمة ، ومن موقع قوة ، ولا أطيق أن أراه يتخبّط كالجريح ، ويحدث الجعجعة والضجيج كالذي وقع في فخ ، لذلك يا أستاذ استهجنت تلك الجلبةوذلك الصراخ ، وحاولت ألاّ أظلم ألبير كامي وألاّ أجعل ملفه حائط مبكى : أفضل أن أحب بلدي بعيدا عن ألبير كامي ، بالأحرى بعيدا عن كره ألبير كامي
بوكرش محمد
الأستاذة المبدعة جميلة طلباوي الموقرة ،الأستاذة المربية الكاتبة رتيبة بو دلال، بقدر ما أحببت شوبنهور ، نيتش، سارتر وفليب نيمو كرهت أدونيس...و...ليس حبا وكرها للأشخاص بقدر ما هو حب إبداع ثائر للتغير الايجابي في شعوب اضطهدهم رجال الدين،الملوك والأغنياء...وكره التقليد الأعمى والانسلاخ الغير مؤسس البتة الخاضع لنفس وحدات القياس الغربية...نحن لن نأخذ منهم الثورة والغيرة لإصلاح الحال والتعديل بقناعة أننا بأشياء كثيرة ...مميزين ، نحن ضربنا بمعول وسيف من فتحنا أعينهم وولعوا بجميل ما قدمته التجربة الإسلامية الحضارية...باعترافهم.
ضربنا بدلهم بقساوة ما يخافونه... خوفا من أن نعود...ضربنا بأياد من لحمنا ودمنا...لا خطر علينا منهم هم... ، الخطر علينا من الضالين اللاهثين عطشا ظنا منهم أن السراب ماء...
لا شيء بيني وبين أحمد كشخص بالعكس أحببته ومازلت ولن أذكره من يوم لقائي به وقبل إلا بالخير، أما ما أكتبه بالمستوى أو بالضعف ويتعلق بما يكتبه أحمد شيء آخر لا علاقة له بالصداقة ، بالمصافحة ، بالحب والعلاقات الشخصية بقدر ما هو موقف... موقف من أطروحات وتمثيليات وتقمص شخصيات ولباس تفاصيل جاهزة ليست على مقاسنا البتة...مازلت أتمنى وأنتظر منه ومن غيره( ولا أستثني أحدا) فكرا بنماذج...العوامل المشتركة فيها تجمع أكثر من أن تفرق...كان ذلك على المستوى المحلي أو الدولي.
لأنه من السهل التلاوة وترتيل ما يأتي جاهزا من هنا وهناك مع حافظة الله يبارك...لكن من الصعب التنقيب في الذات لتأسيس المغاير المميز بالموقف والاختلاف، ولا أعني بالاختلاف التباهي بلباس وبضاعة الغير، الاختلاف عندي هو بفارق ما تقدمه وتتميز به ويشهد لك به القوي والضعيف مثلي... إضافة لما هو موجود بدلا من تهديمه والتجني عليه .
الحياة أخذ وعطاء بالمفهوم الجمالي ...قدمنا لهم...قدموا لنا...ما يخدم الإنسان عموما، لكن أن نأخذ بالغث على حساب السمين، نترك السمين وننعته بكل اهانة...ولا قدرة ولا حول لنا أن ننعم بسمين الأخر...هل قدم الكتاب المفكرون بديلا ...،تنظيرا... ، علاجا... أو تصورا ورفضناه، كل ما في الأمر نقرأ تجنيات وقدح وشتم ووقاحة باسم الحداثة وخالف تعرف...جنس بعيدا عن ذهبية القفص، هدم بعيد عن الترميم والبناء أو تصور ما... يناقش، لكن السهل السهل هو انتهاكات المقدسات للارتماء في تقديس أشياء... أي استعارة المجون تفصيلا وجملة...
أستاذتي جميلة أستاذتي رتيبة، محبتي وكل شكري وتقديري على ما تبذلونه من مجهودات نعتز بها ونقدرها.
معروف محمد آل جلول
الأخت رتيبة بودلال..
قرأت موضوعك ..ووجدت أنك وضعت "الكاتب" في موضعه الحقيقي..وأعدتيه إلى مكانه اللائق..مبدع ..قال..انتهى ..بقي أثره دالا عليه..وما أعجبني هو الأسلوب الواضح ،الفارغ من تقعير اللغة ،وحشوه بالمصطلحات ،وتقليب الأساليب التي "تُغمِّضُ"الفكرة وتبهمها أحيانا..
فلك كل التقدير..
هل هذه الحكومات التي تبضِّع الشخصيات وتُشيِّئُها ..تحترم حقوق الشخص؟؟
هل تسمح الأخلاق بتوظيف "اسم شخص" لخدمة أهدافها السياسية بطريقة مهينة في حقه..؟؟
أشكر كل المتدخلين على هذا الحوار البناء..الذي انتهى إلى نتائج قيمة..
والأستاذ القاص الوقور "محمد الصغير داسه" وأن بدا لك في البداية مستفزا ..فهو غيور على مجتمعه ووطنه..ومخلص لأهله..ونحن نشاطره كما شاطرناك الرأي تماما..أن ما قيل عن "مؤسس الدراسات الثقافية في العالم الإسلامي :مالك بن نبي "أقل بكثير مما قيل عن فرنسي ..قدم أهله إلى الجزائر مستعمرين ..وتحاول أطرافا أن تجعله ابنا لهذا الوطن العزيز الذي فقد فيه كل جزائري شهيدا عن همجية هذا الاستدمار..
رتيبة بودلال
الفنان محمد بوكرش : سعدت بتعليقك الذي عبر عن نواياك الطيبة ، لكنني أتساءل :هل وصلت هذه الرسالة إلى الأستاذ دلباني وقد ّنشرتها في ذيل موضوعي ، بدل نشرها في نفس الصفحة التي وقع فيها الاصطدام بينكما؟ أتمنى أن أقرأ لك تعليقا في ذيل موضوع الأستاذ دلباني ، أتمنى ذلك حقا، ودمت فنانا ومحبا للحق كما عهدناك .
رتيبة بودلال
الأستاذ: معروف محمد آل جلول
شكرا ثم شكرا ثم شكرا لأنك فهمتني أكثر ، و أدركتَ أنني لم أمجّد ألبير كامو أو ألعنه ، فقط شهدت بالحق الذي أعرف ، و أنكرت أن يراد تلميع وجه فرنسا عبر تمجيده ، أو أن يُرام تمجيد الجزائر عبر لعنه ، لأني أعتبره من ضحايا فرنسا الإستدمارية( رحم الله المجاهد والمناضل والمثقف الفذ مولود قاسم نايت بلقاسم) نعم ألبير كامي وكثيرمن الأوروبيون هم ضحايا فرنسا التي جعلتهم يفقدون هوياتهم ويتحولون إلى منبوذين ، ومن حقهم مقاضاة فرنسا على جريمتها هذه ، لكن قولي هذا لا يتعارض مع حبي لوطني الجزائر ، بل إن هذا الحب متجذّر في شخصيتي وهذا يجعلني لا أشعر بالحاجة إلى إعلانه ، والتلويح به بدون مناسبة ، ف - لكل مقام مقال-
شكرا مرة أخرى.
بوكرش محمد
أختي رتيبة ما كنت أود أن أكون بالمرة في ذيل موضوع مفحم ، قرأته يوم نشر أعجبت بتوازنك الأكاديمي المعرفي وصواب رأيك، كان فيه ما لله لله وما لقيصر لقيصر، كنت منصفة وهو ما ينبغي أن يكون وكان بالفعل...أما أن يكون الموضوع مطية تلميحات وتمرير خطابات لا علاقة لها نهائيا بصلب الملف ويخاض بانتهازية بعيدة كل البعد على البراءة، الشيء الذي لمحت له مشكورة في مقدمتك.
هي النقطة بالذات نقطة التصادم مع...مع الأسف، والخروج على الموضوع إلى كواليسه...بذات الفعل كان الرد الذي لا يعجب السادة الأفاضل محترفي الإيهام والإسهاب في أمور مقصودة متعمدة... على حساب مضمون الموضوع.
ما كتبته بذيل موضوعك كان بدعوة غير مباشرة منك ومن الأخت جميلة طلباوي في التعليقات طمعا في دعوتي لمصافحة من لا يرغبون في ذلك خاصة إذا كان لك موقفا مخالفا يخلو من المجاملة والنفاق من مادة هجينة مستهلكة مستوردة، بنت بيأتها بالزمان والمكان ثقافيا وعقائديا واجتماعيا التي لا تمت بصلة لموروثنا الحضاري الثقافي ولا لتركيبتنا البشرية الأخلاقية الدينية والفكرية الأدبية...
يشكرونك اليوم نفاقا ويرحبون بك كاتبة رائعة ( كاتبة منافقة) وهم الأكثرية...وينهالون عليك الغد من ذلك شتما وتجريحا (كاتبة ضعيفة لا تحسن قواعد اللغة العربية الجميلة) يوم يكون لك منهم ومن تسمم أفكارهم موقفا.
بهذه المعاملات... ما زالت تسير معاملات ( الكتاب...)مع بعضهم البعض.
أين اتحادهم في اتحاد الكتاب؟ والجواب... لخير دليل على نوعيتهم ونوعية ما سمم الحرث والنسل.
1- معذرة سيدتي مرة ثانية عن وجودي بذيل موضوعك الأنسب من وجودي بذيل مواضيع كثيرة محددة أخرى...
2- وجودي بذيل موضوعك يضمن وصول الرسائل (...).
جميلة طلباوي
الأستاذة الفاضلة رتيبة بودلال لك منّي تحية طيبة و اسمحي لي أن أنحني بكل احترام و بفائق التقدير للفنّان العالمي الكبير
والانسان النبيل الطيب الأستاذ محمد بوكرش ، وجوده هنا دليل نبله و روحه الراقية و جاء بدعوة وجهناها له و للأستاذ الفاضل أحمد دلباني لتكون مصافحة تجمع كل الكتاب و لا أرى هذا الحيّز هنا مجرّد ذيل لموضوع محدّد بل أرى فضاء يجمع الكتاب و هذا الجزء بالضبط من الصفحة هو للتعاليق و التواصل هو الذي يمنح الحياة للمواضيع إذن هو ليس بذيل بل قلب الموضوع ، و سواء كانت المصافحةفي موضوعك أو في موضوع آخر المهم أنّنا سعداء بهذه الكوكبة الجميلة من المبدعين بنبلهم و حرصهم على التواصل في جو ثقافي خدمة للكلمة الراقية .
إذن شكرا أستاذ محمد بوكرش ، شكرا لأنّك لبّيت دعوتناأيها الأصيل ، شكرا على نبلك و طيبتك و أكيد أنّ للأستاذ دلباني عذره و سيكون معنا قريبا إن شاء الله ، شكرا لكم جميعا و نلتقي قريبا في ملف آخر له أهمّيته.
أنتم القناديل المضيئة هنا في هذا الزمن الصعب شكرا لكم جميعا.
تقديري و احترامي.
رتيبة بودلال
أعتذر إذا كانت عبارة ( ذيل الموضوع ) قد أعطت إيحاءا سلبيا ، وإن كنت لم أقصده ، ما قصدته هو أن الأستاذ دلباني قد لا يقرأ موضوعي فلا تصله نية المصافحة ، وهكذا تفوت فرصة ثمينة لرأب صدع ما ينبغي تجاهله، و أنه من الأفضل أن تعلن نية المصافحة على نفس الصفحة التي بدأت فيها الزوبعة ، أما كلمة ذيل هنا فهي بريئة ألا يقول الواحد منا مثلا ( ذيّلت موضوعي بإمضائي )؟ ففي ذيل الموضوع نجد إمضاء الكاتب أو اسمه كاملا دون أن يكون ذلك انتقاص لقدره، هذه قناعتي و أعتذر مرة أخرى إذا أسيء فهمي .
والسلام عليكم.