عندما قرأت هذا المقال الجاد ، اعتبرته نورا كاشفا يتسلط على نقطة هامة من المشهد الأدبي في بلادنا ، وتوقعت أن يستفز بعض الأقلام الجادة ، لتتفاعل معه رفضا أو قبولا ، لكن بالموضوعية الكافية لجعل الاختلاف في الرأي انتصارا للحقيقة ، وبحثا عنها ، وليس انقساما وخلافا مفضيين إلى العداوة الفكرية .
لكنني فوجئت بعمق هذا الصمت ، وهذا التجاهل لموضوع هو من صميم الهم الثقافي الذي ينبغي أن تحمله الأدمغة وتنزف له الأقلام :
ماهو الشرط اللازم والكافي لجعل الكاتب منتميا إلى جنسية بلده : هل هي شهادة الجنسية ، أم هي نسبة انخراطه في قطيع المهللين المنافقين للسلطان ؟ أم تراها تكون في التزامه التغريد باللغة الرسمية لهذا البلد ؟
( 1 ) – لا...ليس كل الصمت حكمة ً:
أتوجه إلى الأستاذ الفاضل جمال غلاب بالشكر على موضوعه (النص الروائي الجزائري و التأريخ له ...؟) الذي ينتصر للإبداع دون أن يحفل بالقشور ، وأعتذر له نيابة عن كل الذين صمتوا ، جهلا أو تجاهلا ، أو يأسا من واقع يبرك على صدورهم كاللعنة المؤبدة ، وأعتذر للحرف الذي يحاول الجهل ردمه تحت ركام العُقد ، وأنقاض الجاهلية ، وتحت طبقات من الظلمة والظلم .
عندما قرأت هذا المقال الجاد ، اعتبرته نورا كاشفا يتسلط على نقطة هامة من المشهد الأدبي في بلادنا ، وتوقعت أن يستفز بعض الأقلام الجادة ، لتتفاعل معه رفضا أو قبولا ، لكن بالموضوعية الكافية لجعل الاختلاف في الرأي انتصارا للحقيقة ، وبحثا عنها ، وليس انقساما وخلافا مفضيين إلى العداوة الفكرية .
لكنني فوجئت بعمق هذا الصمت ، وهذا التجاهل لموضوع هو من صميم الهم الثقافي الذي ينبغي أن تحمله الأدمغة وتنزف له الأقلام :
ماهو الشرط اللازم والكافي لجعل الكاتب منتميا إلى جنسية بلده : هل هي شهادة الجنسية ، أم هي نسبة انخراطه في قطيع المهللين المنافقين للسلطان ؟ أم تراها تكون في التزامه التغريد باللغة الرسمية لهذا البلد ؟
( 2 ) – هل سنتبرأ من صاحب ( الحمار الذهبي ) ؟
هل الكتابة بغير اللغة الرسمية للبلد كافية لنزع الجنسية عن الكاتب ؟ماذا عن الكاتب الذي يكتب بلغة بلده ثم يكون فكره ورسالته مُعاديان لمقومات بلده الثقافية والتاريخية والدينية ؟ هل يصُبح كاتب ما منتميا إلى بلد ما لمجرد أنه كتب بلغته ؟ و هل سنعتبر المستشرقين إذن عربا أقحاحا ، بل و جزائريون حتى العظم لأنهم كتبوا بالعربية ولها ؟ وهل بالمقابل سنُسقط الجنسية الجزائرية عن مالك حداد ومحمد ديب ومولود معمري وآسيا جبار ؟ وهل سيصبح رشيد بوجدرة وأمين الزاوي نصفا جزائريان لأنهما يكتبان باللغتين العربية والفرنسية ؟ وإذن هل سنتبرأ من صاحب أول رواية في التاريخ ؟ لوكيوس أبوليوس : ذلك الخطيب الأمازيغي النوميدي ، الفيلسوف ، العالم الطبيعي و الكاتب الأخلاقي ، الروائي و المسرحي ،الملحمي والشاعر الغنائي الذي كتب أول رواية في تاريخ البشرية بعنوان ( الحمار الذهبي ) ؟ هل سنتبرأ منه رغم أنه ابن مدينة مادور ( مداوروش حاليا) التابعة لولاية سوق اهراس الجزائرية ، لمجرد أنه كتب روايته باللغة اللاتينية القديمة ؟
( 3 ) – عندما يصبح صمتنا خطيئة :
لقد انطلق الأستاذ جمال غلاب في كتابة مقاله من حادثة حقيقية موجعة ، وهي أن(( مؤخرا و بموازة مع عقد اتحاد أدباء و كتاب العرب لدورته ـ أيام ـ . حاول بعض النقاد العرب في هذا الملتقى الدولي الوقوف عند معالم الحداثة في الأدب الجزائري . و ما لفت انتباهي في مداخلاتهم هو جهلهم لتاريخ الأدب الجزائري فعلى سبيل المثال لا الحصر . جاء في مداخلة: أن الرواية الجزائرية. بدأ التأريخ لها سنة 1971 أي مع ظهور النص الروائي ـ ريح الجنوب ـ للأديب عبد الحميد بن هدوقة ...و جاء في مداخلات أخرى ـ دائما في سياق التأريخ ـ أن الأدب الجزائري عرف التأسيس له مع كوكبة من المبدعين في نهاية الخمسنيات من القرن الماضي مع ـ طاهر وطار و جلالي خلاص و مرزاق بقطاش و رشيد بو جدرة و وسيني لعرج و محمد الزاوي ...الخ)) نعم هي حادثة موجعة ، أن يتم بتر تاريخ الأدب الجزائري بهذه العَلَنية التي هي من صُنعنا نحن ، وأن يتم نسف إبداعات كُـتَّاب شاء قدرهم أن يجيئوا إلى الدنيا في الزمن الفرنسي ، وأن يتعلموا في المدارس الفرنسية إبان ليل الاحتلال ، وأن تكون اللغة التي يتقنون هي لغة المستدمر الغاصب ، لكنهم مع ذلك امتلكوا شجاعة الكتابة بلغته ، وإدانته بلغته ، والثورة عليه بلغته .
نعم نحن من استأصل التاريخ ، وجذعه بوحشية التعصب الأعمى ، وبغباء لم تعرفه غيرنا من الشعوب ، لا يوجد شعب في العالم يتبرأ من تاريخه كما نفعل نحن ، حتى وصل الأمر بأشقائنا في مصر _مثلا _ أن يعيرونا بأننا بلا تاريخ ، وأنهم أهل حضارة عمرها سبعة آلاف سنة بينما نحن لم نظهر إلى الوجود إلا سنة 1962 .
أيهما إذن أخطأ في حق جزائريته : الذي تمسك بها وانتصر لها حتى في أحلك الظروف ( ليل الاحتلال ) وتغنى بتا عندما كان ذلك كفيلا بتكليفه حياته ، أم ذلك الذي يدعي أن تاريخ الجزائر لم يبدأ إلا حين جاء هو إلى الوجود ، ثم بدأ الكتابة والنشر ؟
( 4 ) - ماهي خطيئة مالك حداد؟
هل خطيئة مالك حداد هي أنه كان يكتب بالفرنسية ؟ ماذا لو علمنا أنه يسمى ( شهيد اللغة العربية )؟ فلقد آلمه أن يكون جزائريا ثم يكتب بلغة فرنسا ، اللغة التي لا يفهمها القارئ العربي ، لذلك قال ذات يوم أثناء محاضرة له بالفرنسية في دمشق عن الثورة الجزائرية التي كانت في عنفوانها :
" إن مأساتي تتجلى الآن بشكل أعمق . . إني أقف أمامكم؟ لا أعرف كيف نتفاهم! " وقد بلغ به الأمر أن قرّر ان يتوقف عن الكتابة مصرّحاً بجملته الشهيرة " اللغة الفرنسية منفاي، ولذا قررت أن أصمت" .
وهكذا مات مالك حداد بسرطان صمته، وحقَّ له أن يُعدَّ أول شهيد يموت عشقاً للغة العربية ، ولأن أحلام مستغانمي هي واحدة ممن يشهدون على هذه الحقيقة ، بادرت بعد أكثر من عقد على وفاته بإنشاء جائزة مالك حداد الأدبية ، تخليدا لذكرى الرجل و تكريما للغة التي أحب ، اللغة العربية ، تقول أحلام مستغانمي :
" يوم التقيته في السبعينات، عابراً في ذلك المقر، أذكر، كان أكبر حزناً من أن يكون في متناول فرحتي به، وكنتُ أنا أكثر خجلاً، وأقلّ خبرة من أرد على طلبه المتواضع بترجمة بعض قصائده للعربية ، التي كان يتمنّى أن يسمعها بصوتي في ذلك البرنامج الليلي الذي كنت أُقدّمه ، والذي كان يستمع له بشغف مَن يحبُّ موسيقى اللغة العربية التي حُرم من تعلُّمها. كنت بالنسبة إليه رمزاً للجزائر الفتية ، التي صمت ليستمع لصوتها العربي. "
( 5 ) – وآخرون ؟
مالك حداد هو واحد فقط من بين أسماء كثيرة أحبت وطنها كما تُحب الأوطان ، لكنها ما استطاعت أن تقول ذلك الحب إلا بلغة أجنبية ، أسماء مثل :
كاتب ياسين الذي قال :{{ لم يشجعني احد علي الكتابة إلا احتلال فرنسا للجزائر الذي جعلني أكون سياسيا في كل ما أكتبه وأقوله من النصوص النثرية وقصائد الشعر .. لقد ولدت ( نجمة ) من مجموعة إيحاءات وهواجس ورموز كنت ألملمها كل يوم علي مدي عشر سنوات ، أي منذ عام 1946 لتغدو رواية صدرت في باريس عام 1956 وأنا شاب جزائري في العشرينيات والثورة المسلحة قد اندلعت في كل البلاد ..}}
كما قال عن روايته الأشهر ( نجمة) : { هل ماتت روحها الجزائرية لأنني كتبتها بالفرنسية ؟ }
مولود فرعون صاحب ( الدروب الوعرة ) و( أشعار سي موحند) ، الذي قال : ( أكتب بالفرنسية ، وأتكلم بالفرنسية ، لأقول للفرنسيين ، أني لست فرنسيا) وهذه مقولة خارقة الذكاء والدلالة ، لرجل اختار أن يخاطب خصمه بلغته ليقول له:( لستُ منك ) هذا الكاتب الذي لم يمت في أحد مستشفيات فرنسا أو على رصيف باريسي ، بل مات في الجزائر برصاص الجيش السري الفرنسي في 15مارس 1962 ، بينما كان في مقر عمله ، فهل يصح بعد هذا أن نعتبر كتابته باللغة الفرنسية سببا كافيا لنزع الجنسية الجزائرية عن أدب هذا الرجل ؟
مولود معمري ،أو الدا المولود ، الذي قال في ( رسالة إلى فرنسي ) ، قال: { { الرجال الذين يزهرون في النظام الاستعماري هم المحتالون والمزورون والمارقون والمنتخبون المصطنعون، بلهاء القرية، الرديئون، الطامحون الخواة ، المطالبون بأكشاك التبغ، مخبرو الشرطة، القوادون البؤساء، القلوب البائسة. لا وجود في النظام الاستعماري لقديس ولا لبطل ولا حتى لموهبة متواضعة. لأن الاستعمار لا يحرر، بل يُكرِه، إنه لا يرفع، بل يقهر، لا يُمجِّد، بل يُيئس ويُعقم؛ إنه لا يسمح بالتواصل، بل يفرق ويعزل ويحبس كل إنسان في عزلة بلا أمل.
لقد ولـَّد الغزو الاستعماري شكلا خاصا من العلاقات بين البشر: الاحتقار، لا أعني الاحتقار الفردي الذي قد يكون مؤسسا (كاحتقار شخص حقير) ولكن الاحتقار الغبي لعرق كامل وشعب، الاحتقار الأعمى الحيواني. ولكن القوة والاحتقار؟ إسمنت هش جدا للذي يريد أن يبني حضارة ويريدها أن تدوم }} كما قال في نفس الرسالة {{ وعن فرنسا، كثير هنا كان لهم الضعف ( هل يمكن أن نقول هنا الحظ ؟) أن يحبوا بعض الأشياء والتي منذ أكثر من سنة تقتلها الأيام بصفة أكيدة وبشكل أعمق كل مرة. كل الكلمات التي وصلت حد الإهتراء عندكم والتي،أعرف ذلك عن تجربة، تثير على شفاهكم دوما ابتسامة ساخرة ومُشفِقة في نفس الوقت، جميع الكلمات التي تقرون منذ زمن طويل أنه ليس غير السُّذج من مازال يؤمن بها، وآمنا بها نحن بسذاجة: الأخوة، الإنسانية، التحرر، الأجمل بكثير من الحرية، التي أجرؤ على ذكرها بالكاد بدون خجل، ولكن ما عساي أن أفعل؟ كتّابكم وشعراؤكم وفلاسفتكم تكلموا عنها بالنبرة والبلاغة وحتى بالنغمات التي أحبها. إلى درجة أنني أغريت، بل أكثر من ذلك، بإغراء عنيد. لقد حدث الضرر. لا توجد سلطة في العالم يمكنها أن تجعلني مرة أخرى (وكثيرون معي ) إنسانيا، أخويا، ومتحررا الذي هو أجمل من حر، لأن هؤلاء الأموات نحن البعض، نحن الكثير، نحن كل الشعب الجزائري، وأنا متأكد أن جزءا مهما من شعب فرنسا لا نريد أن نتقبلهم}} لقد كتب هذه الرسالة إلى صديقه ( القاوري النزيه) الشاعر جان سيناك ، في 30 نوفمبر1956، فهل هذا الكلام جزائري الروح والجنسية ، أم أجنبي عنها ومنسلخ عن مباديء ثورتها الخالدة ؟
محمد ديب صاحب الثلاثية الخالدة : (الدار الكبيرة 1952-الحريق1954-النول1957) صاحب ( الحريق ) الرواية التي تنبأت بثورة التحرير الجزائرية ، والتي صدرت قبل ثلاثة أشهر من اندلاع هذه الثورة ، محمد ديب الذي قال ("إن أخيلتي وتصوراتي نابعة من اللغة العربية، فهي لغتي الأم، إلا أنها مع ذلك تعتبر موروثا ينتمي إلى العمق المشترك. أما اللغة الفرنسية فتعتبر لغة أجنبية مع أني تعلمت القراءة بواسطتها، وقد خلقت منها لغتي الكتابية". فهل تتبرأ منه الجنسية الجزائرية لمجرد أنه لم يستطع أن يحب وطنه بالعربية الفصحى ؟
هؤلاء وغيرهم كثيرون ، أحبوا أوطانهم وقالوا ذلك الحب باللغة التي يتقنون ، بالكتابة ، بالرسم ، بالتمثيل ، بالنحت أو الموسيقى ، وحتى بلغة الصم البُكم ، فالحب يبقى حبا مهما كانت اللغة ، وعندما يكون المحبوب هو الوطن تُصبح مسألة لغة الكاتب نكتة باردة حد الإيلام ، ذلك أن الكاتب ( خلافا لأي مواطن عادي ) هو أقدر الناس على إدراك ذلك الحبل المتين كالقدر ، الشفاف كسماء الربيع ، والذي يربط قلب الكاتب بتراب وطنه ويشده بإحكام ، الكاتب يحمل وطنه أينما ارتحل ، ويحبه بكل اللغات ، ويستميت في حبه دون أن يبالي كثيرا بالمزادات العلنية ، التي تُعامل الوطن كما لو كان شيئا قابلا للملكية وبالتالي للبيع .
( 6 ) وآخرون أيضا ...
ثم إذا كانت الكتابة بالفرنسية هي سبب إسقاط أسماء الكتاب الفرنكوفونيين من تاريخ الأدب الجزائري ، فما هو سبب تجاهل روايات كتاب جزائريين كتبوا بالعربية وجاؤوا قبل ريح الجنوب لعبد الحميد بن هدوقه ؟ مثل (حكاية العشاق في الحب والاشتياق ) التي صدرت سنة 1847 لصاحبها محمد بن ابراهيم ، والتي تُعتبر أول نص روائي عربي ، ثم ( غادة أم القرى ) لصاحبها أحمد رضا حوحو سنة 1947 { هذا بغض النظر عن المحاولات الموصوفة بتواضعها وسذاجتها وضعفها الفني كرواية ( الطالب المنكوب) لصاحبها عبد المجيد الشافعي ، الصادرة سنة 1951 كذلك رواية " الحريق " سنة 1957 لصاحبه نور الدين بوجدرة ، ثم رواية " صوت الغرام " سنة 1967 لمحمد منيع } هذا عن الرواية ، فما بالك لو تحدثنا عن الشعر والمقال السياسي والديني والاجتماعي ، وكل تلك الأقلام الجزائرية القحة : من الأمير عبد القادر الجزائري ، إلى أحمد رضا حوحو ، مالك بن نبي ، الشيخ أحمد توفيق المدني ، الشيخ محمد البشير الابراهيمي ، الإمام عبد الحميد بن باديس ...الخ ، لكن مادام الأستاذ جمال غلاب أعطى مثالا بالرواية فقط ،فقد تجاوزت التدقيق والتحقيق في غيرها من وجوه وأشكال الأدب الحديث .
( 7 ) - جنسية اللغة...جنسية الأدب ؟
الحديث عن جنسية اللغة هو تشويه لروح الإبداع ، هو مسخٌ له ، لأن اللغة هي مجرد وعاء : ولا أتصور مثلا أن طعم العسل الحر الموضوع في إناء أسطواني الشكل ، يختلف عن طعمه إذا وضعناه في إناء مكعب الشكل ، لذلك أعتقد أنه مهما كانت اللغة التي كُتب بها يظل الإبداع إبداعا بذاته ، بما يحمله من فكر ، وما يبرزه من معان ِ ، وما ينتصر له من قيم ٍ ومباديء ، ويبقى الأدب أسمى وأوسع من أن يُحبس في قوالب إقليمية ، عنصرية ، تحُط من قيمته كسمة إنسانية عالمية ، لا تعترف بالحدود ، والفوارق .
الأدب الجزائري ، الأدب اللاتيني ، الأدب العربي ، الأدب الأمريكي ، الروسي ...الخ كلها تسميات تتناقض مع أهم أسباب وجود الأدب ، التي هي التواصل مع الآخر البعيد ، ليس الآخر الذي بإمكاننا رؤيته يوميا ومخاطبته يوميا ، بل ذلك الآخر البعيد ، الذي يُقاسمنا الهم والإحساس ، حتى لو جاء في زمن آخر ، ذلك الذي لا نعرفه لكننا واثقون أنه يُشبهنا ، الآخر الذي نكتب له بلغة واحدة لكننا واثقون أنه سيفهمنا بكل اللغات .
( 8 ) – تأريخ ؟ لابأس بالتأريخ ، لكن !!
إذا كان التأريخ للأدب يقتضي إحداث تقسيم ما فليكن ، لكن طبيعة عملية التأريخ نفسها تتناقض مع التقسيم الأفقي للموضوع المؤرخ له ، أي أن تأريخ شيء هو تسجيلٌ متسلسل لكافة مراحل وجوده ، وينبغي الغوص بشكل عمودي في ماضي هذا الموضوع وجذوره العميقة ، والتنقل بشكل تصاعدي حتى بلوغ حاضره ، دون إغفال أية فترة ولو كانت سوداء من وجهة نظرنا ، ودون إقصاء أشخاص ولو خالفونا الرأي والقناعات ، ودون استئصال أي جزء ولو بدا لنا غير منسجم ، ومن هنا أتساءل : ماهي الحكمة العظيمة من إهمال كل تلك الفترات من عمر الأدب الجزائري ، والابتداء أثناء التأريخ له من أواسط القرن العشرين ؟ مهما كانت هذه الحكمة فهي في نظري : عوراء ، حتى لا أقول : عمياء...
نشر في الموقع بتاريخ : السبت 3 ربيع الثاني 1433هـ الموافق لـ : 2012-02-25
التعليقات
جمال غلاب
بعد السلام و الاحترام و التحية و الإكرام الأخت رتيبة أما بعد :
في البدء أنبهك الى تجاوزك لحدود اللباقة..لأن الكلام السوقي لا يجدي نفعا و لا يرفع من همة المثقف ـ لمن تقرأ زبورك يا جمال غلاب ـ فمن منطلق التعامل بالفكر و مصارعة الفكرة بالفكرةو هذا لا يعني التجريح و القذف بحكم أن غاية النقاش هو اثراء النص و متى تقيدنا بمثل هذه الضوابط في أدبياتنا من المؤكد سنهتدي الى جادة الصواب .
و أعود الى نقاشك :
و أما إعتذارك بالنيابة تبعا لقولك ـ وأعتذر له نيابة عن كل الذين صمتوا ، جهلا أو تجاهلا ، أو يأسا من واقع يبرك على صدورهم كاللعنة المؤبدة ، وأعتذر للحرف الذي يحاول الجهل ردمه تحت ركام العُقد ، وأنقاض الجاهلية ، وتحت طبقات من الظلمة والظلم .ففي حدود تقدير لا أحد أهلك لكي تنوبين عنه و تحديدا في مجال النقاش .و الدليل موقع أصوات الشمال يرحب بكل من له القدرة على الكتابة .
و الحق أن طرحك حفل بالكثير من المآخذ : و المأخذ الأول أنك لم تقرئي مقالي قراءة صامتة و متأنية فلو عملت بهذه النصيحة كنت تستطعين التفربق بين التأريخ و التاريخ و هناك فرق بين التأريخ و التاريخ ؟ و نعني بالتأريخ هو جمع المادة مرفوقة بالحيزات الزمانية و المكانية و بمعنى أدق و أوضح الاستاذة المحاصرة من الكويت أرخت للنص الروائي الجزائري منذ سنة 1971 غادة ظهور نص ريح الجنوب ـ و أنا بدوري أرخت للنص الروائي الجزائري انطلاقا من الاقامة الابداعية سنة 1948 و تركت المجال مفتوحا ...و جئت أنت و أرخت له من العهد اليوناني مع ظهور رواية الحمار الذهبي ...و هنا أفتح قوسا لأذكرك بأنه باستثناء مقدمة مقالك فان كل ما تطرقت اليه من شرح و تحليل و تعليل و استنتاج و استنباط تستحقين عليه الشكر و الثناء ....و اعتبره امتدادا لمقالي .و أما التاريخ هذا الأمر يتجاوزنا و من مهمة المؤرخين ؟
المأخذ الثاني : أنا لم أرفض الابداع المكتوب بالفرنسية بالعكس أنا كنت في مقالي من المدافعين عنه بدليل أنني استشهدت باجتماع السرياليين في باريس و كيف انهم ناقشوا هذا المذهب و عند عودتهم الى بلدانهم كل فرقة حررت البيان بلغتها ؟ و أوضحت أن الأدب في منختلف الأجناس الأدبية ـ قصة , رواية , شعر ..ـ هو خامات اجتماعية تتدخل فيها الموهبة لاعادة صياغتها فنيا.و هذا هو الأدب .
مودتي
رتيبة بودلال
الكاتب الصحفي ، الأستاذ جمال غلاب: لو تأنَّيتَ قليلا ، لعرفت أن الزبور هو الكتاب الذي أنزله الله على سيدنا داود عليه السلام ،ومعنى القول الشهير: لمن تقرأ زبورك يا داوود؟ هو أنه:يا داوود ، أنت تقرأ الكلام المقدس لأناس لا يفقهونه ، لذلك فعندما نتكلم ولا نجد أي اهتمام أو فهم من الذي نوجه له الكلام،نستشهد بهذا القول الشهير ، لنذكِّر أنفسنا أننا في واد ، ومن نكلمه في وادٍ آخر .
وبناءًا على هذا يتضح أنني حينما قلت ( لمن تقرأ زبورك يا جمال غلاب ؟ ) كنتُ في موضع الثناء على مقالك ، والدفاع عنه ، واستنكار عدم تجاوب الآخرين معه ، لهذا أستغرب قولك ( أنبهك الى تجاوزك لحدود اللباقة..لأن الكلام السوقي لا يجدي نفعا و لا يرفع من همة المثقف )
على كل حال : لقد تسرعتَ في رد فعلك ، لكنك بهذا جعلتني أكتشف السبب الحقيقي وراء عزوف غيري عن مناقشتك ، لأنك وكما جاء في تعليقك تُحبِّذ أن يكون تجاوب الآخرين مع مقالاتك (قراءة صامتة و متأنية) ، وجعلتني أكتشف السبب الحقيقي في لُجوء الكثيرين إلى أحد خيارين : الصمت أو المُجاملة .
شكرا ...
جمال غلاب
أختي رتيبة سلام الله عليك
أنا يا أختي العزيزة لست بنبي و لا رسول ولا يمكن أن أتساوى مع الأنبياء و المرسلين ...أنا من عامة الناس ولا يمكن أن أغتر و لا اسمح لنفسي بذلك ثم أن هجومك على المبدعين و الأدباء تقززت منه و هذا كل شيء و كل ما اتناه أن لا اكون سببا في عزوفك على الدخول حلبة النقاش ....و ما جرى بيننا لا يفسد للود قضية و ما أضيفه ليس مجاملة لك لأن المجاملة لا ترق اليك فأنت مثقفة و متطلعة و كتاباتك تروقني و قد استفدت منك كثيرا بدليل أنني بصدد اعداد ملف حول الرواية.....فأهلا بك في أي وقت و تبقين قارة على قلبي محبتي اختي رتيبة العالية
رتيبة بودلال
أخي جمال غلاب : مرحبا بك .
طبعا لم أعتبرك نبيا ولا رسولا ، وأنت تعلم ذلك ، وأنا أتفهَّم جيدا أن العنوان بدا لك مستفزا ، فأغضبك إلى درجة التعليق بسرعة ، و هذا ما جعلك تُعبر عن نفسك ( لي على الأقل) تعبيرا خاطئا ، إذ بدوتَ لي : عصبيا، وسريع الغضب ، وأنه من الأحسن تفاديك في حلبة النقاش ، لأن النقاش في نظري هو حوارٌ هاديء ، قوامه العقل والموضوعية ، و لغته الحجة والبرهان ، وسُوسَتُهُ التي قد تنخره حد الهشاشة : الغضب والتعصب ، والذاتية ، وبما أنني حين أتناقش أبحث عن فهم الآخر والتفاهم معه = أبحث عن السلام ، فيُستحسن الانسحاب من المناقشات التي تنسف هذا السلام ، و تجعل مُحاوري يتهمني بالسوقية وبتجاوز حدود اللباقة ، ويُطالبني بالصمت = السلبية = الموت.
لكنني مازلتُ أتفهم غضبتك تلك ، وأملك سعة الصدر الكافية لتجاوزها إلى الحوار البناء ، خاصة بعد قراءتي لتعليقك الثاني ، فأنا أعتبر الإيجابيات الواردة فيه مكسبا ثمينا ، يُستحسن المحافظة عليه ، وفي سبيل ذلك أتجاهل أي شيء سلبي آخر .
سأنتظر ملفك عن الرواية بصبر نافذ ، و يسعدني كثيرا هذا التفاعل الإيجابي ، تحيتي وسلامي .
رتيبة بودلال
أخي جمال ، نسيتُ أن أسألك : ماذا تقصد ب( هجومك على المبدعين ) فأنا لم أهجم على أحد ، أنا أتناقش وأستمع لكل من يناقشني ، الهجوم كلمة كبيرة جدا ، ماذا تقصد ؟
جمال غلاب
صباح الورد أختي الغالية رتيبة
أنا من البداية أختي العزيزة صرحت لك بأن ما حدث بيننا من تفاعل لا يفسد للود قضية و لأنني على اطلاع بقدراتك و سعة اطلاعك فلهذا السبب و فقط دخلت معك في نقاش وأنا سعيد بهذا النقاش المثمر بدليل ما تضمنه مقالك من نبش في الرواية الجزائرية ا عرى بعض المشتغلين في مجالها ...حيث انقسم هؤلاء الى فرق و بدل انتصارهم الى التعريف الحقيقي بالتسلسل الزمني لها ...ركنوا الى الترويج لأسمائهم على حساب الابداع الجزائري ...و أعيد و أكرر أن ما تضمنه مقالك من معلومات قيمة اضافة الى الجهد الذي سابذله سيجعل من جهدينا مرجعا للرواية الجزائرية و اليك العنوان : ملف الرواية الجزائرية من اعداد رتيبة بودلال و جمال غلاب ـ و بخصوص سؤالك ؟ و عملا بنصيحتك و حتى يبقى هذا الود مكسبا قصد تجسيد النقاش الهادئ و المفيد من المستحن عدم الاجابة عليه علنيا و أحبذ أن يكون مجرد حديث جانبي بيني و بينك و اترك لك عنواني الإلكتروني للتواصل
ghellabdjamel@yahoo.fr............و محبتي لك قد سما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق