اللحظة التي تعبرنا ، لا تعود أبدا ، لذلك يكون من الغباء أن
نتركها تعبرنا في غفلة منا ، ودون أن نصغي إلى همسها ، إلى السر الذي وجدتْ من أجل
البوح به لنا ...
في تلك اللحظة، عندما صافحني البحر، وفتح صدره لي بترحاب ، دنوت
منه ، غاصت قدماي في برودة رمله ، تقدمت أكثر فعانقت أمواجه الوديعة نصف جسمي
،دنوت حتى لم أعد أرى شيئا سواه، تغلغلت أنفاسه في رئتي حتى الانتعاش ، شعرت أنني
في خلوة مقدسة معه، فاعتزلت العالم ...
البحر ، بشساعة صدره ، ورحابة سمائه ، بنعومة البرودة التي تحملها
موجاته ، بكل عظمته وجبروته احتضنني ، ،
قبّل جبيني بحنان ثم راح يدلك كتفيَّ ...في حضرته استسلمت ، خلعت أعبائي ، ومتاعبي
، وكل ضغوط العمل ، وتحولت طفلة...
في لحظات الاسترخاء تلك ،
بدا لي كأن البحر قد تحول طفلا مثلي ، فها هو يلاعبني ببراءة ، يلقي إليَّ بأمواجه
المحملة بالقواقع والتحف الصخرية الملونة و الطحالب والزبَد ، تمتد يدي إليها
فيسترجعها بسرعة ، ويخيل إليَّ لحظتها أنني أسمع ضحكته المفرقعة ترن في أذني ، مثل
ضحكة طفل سجل هدفا في مرمى خصمه ، أقرر الانتقام ، لذلك أتغافل حتى تعاود موجاته ا
لارتماء نحوي ، أفرش لها طرف ثوبي مثل شبكة صياد ، وفي اللحظة المناسبة أسحب شبكتي
ثم أنفجر ضاحكة ، متعمدة إسماعه فرقعة الضحكة، لكنني أشفق عليه حين أشعر بصمته
الخجول ، صمت طفل منكسر القلب ، وحينها أقرر مصالحته ، أفرج عن غنائمي ونضحك معا
ضحكة واحدة لذيذة ، مطعمة بنكهة الغبطة ، وفرحة التشارك ...
كانت تلك لحظات من الزمن ، تقاسمتها مع البحر ، ثم ودعته مكرهة ،
عندما بدأت شمس مارس تتثاءب بخبث ، معلنة اقتراب موعد خلودها إلى النوم، ودعته على
موعد آخر ، وأنا أخبيء له المزيد من الضحكات والوشوشات التي لا تنتهي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق