الحديث عن نوال السعداوي في زمن فتوى إرضاع الكبير، يشبه الركض في حقل مزروع بالألغام ، إذ لا يمكن لعلماء فتوى إرضاع الكبير، وزواج المسيار ، وترقيع البكارة أن يسكتوا على أية محاولة لإماطة اللثام عن وجه الحقيقة المغيبة : حقيقة أن ارتداء جلباب أو اعتمار عمامة ليس دائما دليلا على التقوى والورع وأنها في كثير من الأحيان مجرد قشرة تخفي تحتها نفسا خاوية من الإيمان ، ينخرها سوس الغرور الذي يصور لصاحبه أنه قد بلغ من الحصانة الدينية ما ينزهه عن الحساب والعقاب
أولا :هكذا عرفتها :
الحديث عن نوال السعداوي في زمن فتوى إرضاع الكبير، يشبه الركض في حقل مزروع بالألغام ، إذ لا يمكن لعلماء فتوى إرضاع الكبير، وزواج المسيار ، وترقيع البكارة أن يسكتوا على أية محاولة لإماطة اللثام عن وجه الحقيقة المغيبة : حقيقة أن ارتداء جلباب أو اعتمار عمامة ليس دائما دليلا على التقوى والورع وأنها في كثير من الأحيان مجرد قشرة تخفي تحتها نفسا خاوية من الإيمان ، ينخرها سوس الغرور الذي يصور لصاحبه أنه قد بلغ من الحصانة الدينية ما ينزهه عن الحساب والعقاب .
نعم يتشعب الموضوع ويتفرع عندما يتعلق الأمر بالدين أو بالمرأة فما بالك والأمر يتعلق بكليهما؟ امرأة تفهم دينها بما يتيحه لها عقلها وثقافتها وتربيتها على يد رجل دين ، وليس كما تشكله قوالب الفكر الجاهز الجامد المتعصب ، وترفض أن تقوم بدور الدمية التي تتقلب بين أحضان الرجال ، أو الأَمَة التي تدوس عليها أقدام الرجال ، بل تصر على أن تكون إنسانا كامل الكرامة والإحترام .
نعم ترفض نوال السعداوي التبرج ( ولا أقصد السفور ) وتكديس كيلوغرامات المساحيق على وجهها ، والتحول بذلك إلى مجرد رمز جنسي يسيل له لعاب الذكور ، لأنها تعتبر ذلك مُهينا للمرأة التي كرمها الله منذ لحظة ولادتها حتى بلوغها وزواجها من رجل ترضاه ، ثم تربُّعها على عرش الأمومة ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) .
وترفض نوال السعداوي أن تكون مجرد أمة تعمل بكد العبيد في الليل و النهار لتتحول في الفراش إلى جثة ، عفوا ، إلى جسد نابض بالقدرة على الإمتاع و الإشباع ، ترفض ذلك وتتبرّأ من أية امرأة تكتفي بهذا الدور الذي يقزِّمها ويلغي مساحات شاسعة من آدميتها .
ثانيا :هل هي حقا ضد الدين الإسلامي ؟
و إيمانا من الدكتورة نوال السعداوي بآدمية المرأة ونديتها للرجل كإنسان كامل الحقوق والكرامة ، جديرا بالتكليف والحساب ، بالعقاب والثواب ، وحرصا منها على التحرر من قالب الأنثى / الجسد ، أصرّت على الظهور بلا ماكياج ، ولا صبغة شعر ، ولا أية بهارات لأنوثتها ، ولم تخجل من بياض شعرها ولا من تجاعيد وجهها لأنها تدرك أن قيمة الإنسان تكمن في جوهره ودرجة وعيه وإدراكه ، وليس في قشرته الخارجية التي يمكن أن تكون مجرد قناع زائف ، لقد فضلت أن تكون إنسانا وليس مجرد متاع لإنسان آخر يضع نفسه في مرتبة أعلى لمجرد أنه ذكر ، واقتنعت أن المكان الوحيد الذي ينبغي للمرأة أن تكون فيه كاملة الأنوثة هو مخدع الزوجية ، أما ما عدا ذلك من الأماكن فينبغي أن تتصرف فيه المرأة بوقار ورزانة ، وأن تكون إنسانا فقط ، أي أن تكون غير مثيرة ولا مغرية للرجال الآخرين ، ولو تأملنا قليلا لوجدنا أنها تتفق في ذلك تماما مع مقاصد الشريعة الإسلامية من تشريعها للمرأة لباسا يصونها من الظهور بمظهر الغواية والإثارة ، وهنا يفرض علينا السؤال نفسه : ألا يكون مظهر الدكتورة نوال السعداوي الوقور ، البعيد تماما عن الإثارة والإغراء ، أشرف عند الله من مظاهر بعض المتحجبات بملابس تشف وتكشف وتصف أدق تضاريس الأنوثة ، المتمكيجات الكاشفات لغرة شعر مصبوغة ، مكوية ومصففة بطريقة تقطر إغراءا وإثارة ؟
لقد ثارت نوال السعداوي ليس على دين الله وأحكامه العبقرية العادلة الصالحة لكل زمان ومكان ، ولكن على الفهم الخاطىء لهذا الدين ، والتطبيق الأعوج لأحكامه والتأويل المصلحي لتشريعاته ، وعدم الأخذ بجواهر الأمور والإكتفاء بظواهرها التي غالبا ما تناقض الصواب ، لم تثر ضد الحجاب المعنوي الذي يعني حجب أسباب الإثارة الجنسية لجسد المرأة عن عيون الرجال ، لكنها ثارت ضد المرأة التي ترتدي الزي الإسلامي وتتصرف بإباحية أخلاقية وميوعة ورعونة ، لقد قالت الدكتورة نوال السعداوي في تصريح لإحدى صحف بلدها:
( أخلاق المرأة في سلوكها ومشيتها وكلامها وشكلها وليس غطاء شعرها. في بلادنا هناك حاليا مزيج بين الأسلمة والأمركة، أي أن تغطي البنت شعرها وتعري بطنها، فترتدي البنطلون "الجينز" حسب الموضة الأمريكية والسوق الحرة والاستهلاك، وتغطي شعرها ارضاء للإخوان المسلمين. هذا هو نموذج المرأة والفتاة المصرية الآن.
كما قالت : قانون الزواج في بلدنا ليس عادلا. فكيف يسمح أن ينتقل الرجل من فراش امرأة إلى أخرى تحت رخصة التعدد، أو أن يخون امرأته فإذا تم ضبطه مع عشيقته يتزوجها حتى تسقط التهمة لأن من حقه تعدد الزوجات. هل هذه أخلاق؟.. إنه افساد لاخلاق الرجال والازواج ومن هنا فالأسرة في مصر تعيسة. انا أكلمك كطبيبة نفسية. لا تستطيع أن تتصور الزوجات المقهورات بسبب الحرية الجنسية للرجال تحت اسم الشريعة. الرجال يستخدمون رخصة "تعدد الزوجات" لخيانة زوجاتهم. فالرجل وهو في الثمانين يمشي مع امرأة في الثلاثين والعشرين ويترك امرأته وأولاده ولا نستطيع محاكمته.
وقالت نوال السعداوي: عندنا مليونا طفل غير شرعي في مصر بسبب الفساد الاخلاقي للرجال في مجتمعات ماتت ضمائرها. انا ضد الحرية الجنسية للرجال والنساء. "جنس إيه وزفت إيه". كل عقولنا في الجنس. رأيي أن عقل الامة العربية في الجنس لانها محرومة جنسيا، وهذا الفساد الاخلاقي يأتي من الحرمان.
أضافت: أنا "قرفت" من هذا الجو الجنسي فكلنا نتكلم عن الجنس. نحن نعيش في جو وانفلات جنسي للرجال تحت اسم الشريعة والتعدد. إذا قلت لا.. يقولون هل تريدين حرية للنساء؟. مثلا اتهموني بأنني أريد تعدد ازواج.. ما معنى هذا؟.. على العكس أنا احيي النساء اللاتي لا يتزوجن مطلقا. المرأة "زهقانة" من زوج واحد فلماذا تسعى لتعدد الأزواج؟
وأكدت السعداوي أنه لا يوجد انفلات جنسي عند النساء العربيات.. فأين الانفلات وهي مقهورة؟.. إن قيودا من حديد مفروضة عليها. الحرية هي المسؤولية، فعندما تعمل عقد زواج فهذا يعني انك مسؤول وعندما تعمل علاقة جنسية مع امرأة فأنت مسؤول أيضا ولا يجب أن تفر هاربا.
واستطردتْ: نريد ان نعيد الاخلاق الحقيقية للرجل العربي ويكون مسؤولا عن افعاله الجنسية كما هو مسؤول عن جميع افعاله السياسية والاقتصادية )(1)
هذه مجموعة من الآراء التي عبرت عنها الدكتورة في سياق حوار أجري معها وأسئلة صحفية وجهت لها ، وهي كلها تتماشى مع ما يدعو إليه الإسلام من حفظ للفرج وغض للبصر وتعفف وابتعاد عن الزنا ، وإن بدت بعض تعابيرها متطرفة فهذا ليس كفرا ولا إلحادا بل هي مبالغة جائزة في عرفنا اللفظي ، لكنها عندما تصدر عن شخصية مثيرة للجدل نضعها تحت مجهر عملاق ونكبرها بلايين المرات لنستشهد بها عندما نحكم عليها بالتكفير والإلحاد ، ثم إن الكثير ممن لديهم حكما مسبقا عنها لا يجتهدون في فهم كلامها بل إنهم يكتفون بالمعنى السطحي وغالبا بنصف الاية ، مثلا :
( تقول ( أنا أحيي النساء اللاتي لا يتزوجن مطلقا ) لايمكن أن يكون قصدها هو نسف مؤسسة الزواج التي شرعها الله لعباده ، وهي التي تزوجت أكثر من مرة ، بل إن المتمعن لسياق حديثها يفهم أنها كانت ترد على من اتهموها زورا وبهتانا بالدعوة لتعدد الأزواج ، وأنها تقصد أن الزواج بشكله السائد ( وليس بالشكل المفروض شرعا ) وجوده أسوأ من عدمه ، وأن المرأة التي تزهد فيه أحسن من التي تقدم عليه ، وأن التي تتزوج مرة - بهذا الشكل – تصاب بالتخمة ولا يمكن أن تفكر في تعدد الأزواج )
إذن نوال السعداوي لاتهاجم الدين الإسلامي لكنها ثائرة ضد من يتخذونه مطية لإرضاء أهوائهم وتحقيق مآربهم ، ضد من يكتفون بالمعنى الحرفي للكلام دون أن يعقلوه
ثالثا :(فتَبيّنُوا أن تُصيبوا قَومًًا بِجَهالةٍ ) صدق الله العظيم :
ليس من الحكمة ولا من الإنصاف أن نصدق كل ما يروج عن هذه المرأة الحصيفة ، التي لا تخاف في الحق لوما ولا تهديدا ، لأن من يخالفونها الرأي يفتقرون إلى القدرة على مناطحة الحجة بالحجة تدمغها ، على مساجلة الفكرة بالفكرة تفحمها ، لذلك يلجأون إلى التهم الجاهزة ، المُبهَّـرة بمفردات بعينها : الكفر..الإلحاد..الزندقة.. وطبعا ما أسرع ما تستشري النار ، ويُوصَم المتهم بالجريمة قبل حتى أن يُحاكم ، خاصة أننا نحن شعوب البلدان المتخلفة عندنا المتهم مدان حتى لو تبثت براءته ، فمثلا قبل سنوات كانت إحدى زميلات العمل ( أستاذه ) تتحدث بافتخار عن مشاركتها في شتم الدكتورة نوال السعداوي وطردها من الحرم الجامعي ، بعدما جاءت لإلقاء محاضرة ، كانت تصفها بألقاب مهينة وتنعتها بأقبح النعوت ، فسألتها : ( هل قرأت ِ لها شيئا ؟ ) ثارت المرأة في وجهي مستنكرة أن تكون تقبل القراءة لِمُلحدة وكافرة وصاحبة الدعوة لتعدد الأزواج ، ثم همست لي ( هل تعلمين أنها لا تخجل من التصريح أنها ملت من الجنس ...؟) قهقهتْ طويلا قبل أن تضيف بلهجة ماكرة (...طبعا لكثرة ممارسته !!) فأجبتها ( أنصحك بالقراءة لها ..على الأقل حتى تتمكني من مناقشتها في المرة القادمة ) وبعد أشهر حلت نهاية السنة الدراسية فضبطتُ هذه الزميلة متلبسة بجريمة تزوير كشف نقاط أحد تلاميذي ، لأنه قريبها ، وبالضبط زوَّرتْ له نقطة الرياضيات وهي مادة تدريسي لأن معاملها كبير ، نظرت إلى خمارها المتدلي حتى ركبتيها وإلى جواربها السوداء السميكة – وكنا في شهر جوان – ثم قلت لها ( كثـَّر الله من أمثال نوال السعداوي فهي على الأقل لا تزوِّر شيئا ، لا كشوف نقاط التلاميذ ، ولا أفكارها ، ولا لون شعرها ....) فأي المرأتين أقرب إلى الإسلام إذن ؟
و قٌرأت مرة مقالا بعنوان ( نوال السعداوي في مواجهة دين الله ) بقلم أحد خصومها، وكم اندهشت عندما قرأت هذه الفقرة ( وأتمنى من العلمانيين (بفتح العين) أن يفتحوا أعينهم ويعملوا عقولهم في البيئة العربية المحيطة بهم ليعلموا أنه لا مكان لأفكارهم في بيئة تجذر الدين في طبقات أرضها ، واختلط بمائها وهوائها ، ونبت مع نباتها ، واندمج في جيناتها , حتى أننا نرى المخمور في الخمارة يضرب المخمور زميله الذي يهذي بسب الدين ويقول له بعد أن يضربه بالزجاجة فوق رأسه كيف تسب الدين يا عديم الأدب ؟!) (2) كأن كاتب المقال لا يدري أن شرب الخمر من الكبائر ؟ كأنه يعتبر مثل هذا المشهد هو مفخرة لدين الله ، هل هذا هو الإسلام ؟ خمر وهذيان بسب الدين ، مخمور ينهى مخمورا آخر عن سب الدين ، ولا يهم بعدها إن كانا سيترافقان إلى نفس دار البغاء ، للتناوب على نفس المومس ، طبعا هذا هو المجتمع المتدين الذي يشيد به خصوم الدكتورة السعداوي ، وهذا هو المشهد الذي يرعاه هؤلاء ويحرصون على استمراره ، حتى لا تجيء الصحوة ويجرفهم سيلها .
و قرأت مؤخرا في أصوات الشمال مقالا للأستاذ رابح خيدوسي ، فسجلت بعض الملاحظات :
الأولى : عندما تحدث عن أول مرة رأى فيها الدكتورة ، وكيف بدت له في البداية مجرد شخص تائه ، بشعر أشيب أشعث ، يسير في خط مستقيم ، استغربت كثيرا من حكمه على شخص يسير في خط مستقيم بأنه شخص تائه ، وأعجبت بالدكتورة التي تسير على خط مستقيم لأنها تعرف أن أقصر مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم ، خاصة أن تلك المساحات لم تُـزرع بعد ، ومع ذلك سماها الأستاذ خيدوسي لاحقا المساحات الخضراء ليبين لنا أن الدكتورة بسيرها على تلك المساحات تكون إما متمردة وإما متشردة .
الثانية : اعتبر الأستاذ خيدوسي أن الدكتورة نوال السعداوي قد نسيت أنوثتها ومتطلباتها الطبيعية والمكتسبة !! لمجرد أنها لم تتعروس على الملأ ، من قال أن الأنوثة هي المرادف الحقيقي للتبرج والتمكيج والإفراط في التزين ؟ الأنوثة كنز ويحق لصاحبة الكنز ذاك أن تحتفظ به لشريكها في مؤسسة الزواج و أن تجعله ملكية خاصة له وليس ملكية عامة ، وأنا أعتبر مظهر الدكتورة نوال السعداوي دليلا على ترفعها عن المنزلة المهينة التي تنزلها الكثير من النساء ، حتى صارت الواحدة منهن تنفق ثروات من أجل عملية شفط أو شد أو نفخ أو تعديل ، بل وأصبحت الأنوثة ديكورا مكملا لمختلف السلع التجارية ، ألا يُروَّج للكثير منها بإلصاق صورة أنثى بشرية على غلافها الخارجي ؟
الثالثة : في قراءته لروايتها ( امرأة في نقطة الصفر ) اعتبر الأستاذ خيدوسي أن نوال السعداوي تدافع عن مومس وتنتصر للرذيلة وتدعو النساء العربيات إلى الانحراف ، ( سيما وأن المرأة العربية تعاني من قلة النضج الفكري ، ولو بلغت في بعض الأحيان درجات علمية أو سياسية كالدكتورة والوزيرة )(3) وصعقني أن يكون الأستاذ خيدوسي قد اكتفى بالفهم السطحي المستعجل لهذه القصة أو الرواية ، وأن يكون قد غفل على حقيقة أن تقديم الدكتورة نوال السعداوي لشخصية فردوس لم يكن للإقتداء ، لكنه كان عملية تشريح لحالة من الواقع ، وتعرية جريئة لمشهد مؤسف موجود بالفعل في الواقع وليس شطحة من خيال الكاتبة ، ما أرادت الكاتبة قوله هو أن : فردوس لم تكن مومسا بالفطرة ، ولم تكن لها نية ذلك منذ البداية وإلاّ لكانت قد انحرفت بمجرد وفاة والديها وتحررها من رقابتهما ، لكنها على العكس انتقلت للعيش في بيت عمها الأزهري ، وتفوقت في الدراسة وكانت لتبلغ مكانة علمية محترمة لولا ظلم زوجة العم التي أرغمتها على الزواج وترك الدراسة ، والتي تبرز هنا كنموذج عن المرأة السلبية التي تحرص على أن تذيق أية امرأة غيرها من نفس كأسها المر ، ولولا سلبية العم الأزهري الذي يجسد نموذج رجل الدين المزيف الذي :
1 – لايختلف عن غيره من الرجال القساة الذين يضربون زوجاتهم .
2 – يوظف الدين لتبرير ضربه لزوجته بلا سبب واضح ، رغم قول الله سبحانه وتعالى في الآية 34 من سورة النساء: ( واللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) ورغم قول رسوله الكريم –صلى الله عليه وسلم - : (لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا في آخِرِ الْيَوْمِ )) .
3 – يسكت عن ظلم زوجته و ضغطها على ابنة أخيه لتتزوج من لا ترضاه ، أي أنه وهو رجل دين لم يُصلح زوجته ولم ينهَها عن الظلم .
4 – لم يُحسن كفالة اليتيم ، بل ساهم في دفع ابنة أخيه اليتيمة إلى الإنحراف مرتين : مرة بعدم إحسانه تربيتها ومرة بإرغامها على الزواج ممن رفضته لكبر سنه .
إذن ماذا يُتوقع من فردوس التي بدأت قلعة القيم تتهاوى من حولها لتتركها في الخلاء بلا حماية ؟ وهذا طبعا من وجهة نظر الكاتبة التي توغلت في أعماق فردوس مستعملة كل أدوات علم النفس الذي درسته ودرّسته ، ومارسته ، لتتدرج في وصف التطور السلبي الذي انساقت فيه فردوس ، والحفرة التي هوت في قعرها ، رغم محاولة فردوس تصوير ذلك بأنه تطور إيجابي ، في إصرار لاشعوري لتبرير انحرافها وامتهانها لبيع لحمها الرخيص ، أقول لاشعوريا وأقصد ذلك وأصر عليه ، لأن المخطىء لا يرتكب خطأه وهو يراه خطأ ، بل إنه يفعل في لحظة يكون مقتنعا فيها أن ما يفعله هو الصواب ، عندما يزين له الشيطان الرذيلة ويصبغها بلون الفضيلة ، والدليل على ذلك هو ترديدها المتكرر لجمل تُثني فيها على ما وصلت إليه من استنتاجات واكتشافات ، مثل قولها:
(وأدركت أنني تخلصت من آخر قطرة من القدسية في دمي ، وأصبح عقلي واعيا بالحقيقة ، حقيقة أنني أفضل أن أكون مومسا عن أن أكون قديسة مخدوعة ) (4)
وقولها :( إن حياة المرأة سيئة في جميع الأحوال ، لكن حياة المومس أقل سوءا ، وقد أقنعت نفسي بأنني اخترتها ) (5) وكذلك :
( إلا أن أقل النساء انخداعا هن المومسات ، ومن أجل الزواج والحب تنال المرأة عقابا أشد ) (6)
هذه الأفكار والقناعات لدى فردوس هي نتاج تربية خاطئة وقدوة سيئة ، هي التي تقول :
( أنتمي إلى الطبقة السفلى بمولدي من أب فقير ، فلاح ، لم يقرأ ولم يكتب ، يبيع ابنته العذراء قبل أن تبور ، يسرق زراعة جاره ..ويضرب زوجته كل ليلة حتى تعض الأرض..وصباح كل جمعة يرتدي جلبابا نظيفا ويذهب ليصلي الجمعة في الجامع ).(7)
ما أرادت الكتورة نوال السعداوي قوله هو : أن مظاهر التدين الزائفة ، المناقضة للتصرفات الواقعية للرجال قد انعكست على تربية البنت ، التي تظافرت على تحويلها إلى مومس عدة تجارب وخبرات وعقد نفسية كلها من صنع المجتمع الذكوري الذي تقلّد منصب القوامة باسم الدين لكنه أساء التصرف فكيَّـفه وفق أهوائه ومصالحه الوضيعة المتمثلة في ترويض الأنثى و إخضاعها لقبضته المُحكمة ، ولأن الضغط يولد الانفجار فقد تحولت هذه الأنثى من قطة أليفة إلى لبؤة متوحشة ، وخاصة عندما اكتشفت أن الرجال يركلون القطط الأليفة ويتحولون إلى أرانب في حضرة اللبؤات .
الرابعة : في الفقرة المعنونة ب ( تعليق بالمناسبة ) أورد الأستاذ خيدوسي حادثة وقعت له وعايشها بنفسه ، تؤكد كل كلمة جاءت في رواية االدكتورة نوال السعداوي حتى كدتُ أقسم أن تلك القرية هي بلدة فردوس بطلة الرواية ، وختمها بأنه يتفق مع الدكتورة في أن ( نفاق بعض المتكلمين باسم الدين أشد ضررا من أعداء الملة )(8) مما أوقعني في حيرة ، فالأستاذ أخيرا يوافق ، ولم يدرك منذ البداية أن الدكتورة لم تفعل سوى كشف هؤلاء المنافقين المتاجرين باسم الدين ، الذين يبخلون عن حليلاتهم بأموالهم ومودتهم وولههم بل وحتى بابتساماتهم ليبذلوا كل ذلك بسخاء عند أقدام فردوس ، فما الذي يمنع زوجاتهم إذن من الإقتداء بهذه المرأة التي يسجدون لها ؟ على الأقل لتظفر الواحدة منهم ببعض ما يجود زوجها ؟ ومادامت فردوس ومثيلاتها آلهة يعبدها الرجال فالجار أولى بالشفعة !!
إن قوامة الرجل مسؤولية وإساءة استخدامه لها جريمة ، والضحية في النهاية هي المرأة : لقد حكم على فردوس بالإعدام لأنها تطورت وفق المعادلة :
( الذكر يضرب ويتحكم إذن الجريمة صفة ذكورية + الذكورة إمتياز = للحصول على الإمتياز يجب ارتكاب الجريمة.)
فمن المسؤول عن جريمتها إذن ؟ ألا يحق لنا أن نقول : جعلوها مجرمة ؟ هل الجريمة مسؤولية الشخص الذي ارتكبها أم هي مسؤولية المجتمع الذي تواطأ على تحويل هذا الفرد من إنسان ودود إلى مجرم متوحش ؟ هذه هي الأسئلة التي أرادت الدكتورة إثارتها ، وليس تشجيع النساء على الانحراف والعهر ، خاصة أنها نقلت لنا قصة وقعت وتقع كل يوم وستظل تقع مادام الرجال يركلون القطط الأليفة ويتحولون أرانبا في حضرة اللبؤات ، لقد أرادت القول أن ( العنف وسوء الفهم للدين لا ينتجان سوى الخراب والفساد والجريمة ) (*) و أن ( ازدواج الشخصية الذكورية – القوّامة - بين الظاهر المتدين الوقور والباطن الماجن المعربد هو الذي يجعل المرأة – الخاضعة للقوامة - تمشي مشية الغراب ) (**) وفي المنطق الرياضي توجد قاعدة اسمها : العكس النقيض لاستلزام ملخصها : إذا كان ( الحادث أ) يستلزم ( الحادث ب) فهذا يكافئ منطقيا أن (عكس الحادث ب) يستلزم (عكس الحادث أ) ، فإذا طبقنا هذا المنطق الرياضي على الجملة (*) فإننا نحصل على الجملة المكافئة لها : ( للقضاء على الخراب والفساد علينا بمحاربة العنف و علينا بالفهم الصحيح للدين) وإذا طبَّقناه على الجملة (**) فإننا نحصل على الجملة المكافئة لها التالية : ( لكي لانجعل المرأة تمشي مشية الغراب يجب القضاء على إزدواج الشخصية الذكورية فيُظهر الرجل نفس ما يُبطن ) وإذا كان هذا ما تقوله رواية نوال السعداوي فكيف نتهمها بالترويج لتدمير مؤسسة الزواج و إلى تمرد المرأة على الأخلاق وعلى قدسية الميثاق الغليظ ( الزواج ) ؟ ثم لنتأمل قولها في مقال لها بعنوان ( الله هو الضمير الحي وليس النصوص والطقوس ) تستنكر فيه فساد أخلاق بعض النساء : ( ترفض الواحدة منهن الزواج بشاب من عمرها مجهول فقير، تتصيد رجلا ناجحا ثريا وإن كان فى التسعين من عمره، تتزوجه بعقد عرفى أو دون عقد تحت اسم الحب، تنشد الصعود الاجتماعى والأدبى دون موهبة أو جهد، تستخدم أنوثتها والأدوات تحت يدها، كاميرا التليفزيون، أو صفحة تشرف عليها فى مجلة أو صحيفة، أو برنامج تعده لقناة فضائية، تستخدم كل رجل حسب المبدأ:
حسب حاجتها إليه، فهذا يساعدها للوصول إلى السلطات، وذاك يساعدها للحصول على منصب أعلى، يجدد لها أثاث بيتها، يسدد لها قسطا متأخرا فى ثمن شقتها، أو يشترى لها سيارة، يسدد نفقات طعامها وملابسها وفواتير الأدوية واشتراك النادى، يدعوها إلى المنتجع فى الساحل الشمالى أو الجنوبى، يرسلها إلى مؤتمر محلى أو عالمى، يرشح اسمها لجائزة أدبية أو فنية، يكتب لها رسالة الماجستير أو الدكتوراه، يعلمها اللغة الفرنسية أو الانجليزية أو الألمانية..
سألت بعض هؤلاء النساء: هل هذه أخلاق؟ أجابت واحدة منهن دون حياء:
حضرتك أخلاقية أوى يا دكتورة، هو ده عصرنا، عادى، عادى يا دكتورة ) (9)
هل يصدر مثل هذا الكلام عن امرأة ملحدة كافرة منحلة أخلاقيا ، أم عن امرأة واعية شديدة الغيرة على دين الله وعلى الأخلاق التي قال عنها رسول الله –صلى الله عليه وسلم - : ( الدينُ الخُلُقْ ) ؟ ومالفرق بين ما يحمله عنوان مقالها من معنى وبين معنى قول السيدة خديجة رضي الله عنها في حديثها عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :( كان قرآنا يمشي في الأسواق) ؟
رابعا :ماذا لو ؟
إن التهم والأوصاف التي أطلقت على الدكتورة نوال السعداوي تتناقض تماما مع حقيقة سيرتها الذاتية :
1- فقد تزوجت ثلات مرات ، وهذا ينسف تهمة أنها معقدة من الجنس الآخر أو أنها تدعو إلى الانفلات الجنسي ، بل إنها بهذه الزيجات تكون قد برهنت على إيمانها بالأسرة وبمؤسسة الزواج وأنها امرأة طبيعية سليمة من أية عقدة جنسية .
2 - وأنجبت ولدا وبنتا ، أحسنت تربيتهما ، أما الإبنة فهي الدكتورة منى نوال حلمي وهي كاتبة وشاعرة ، أما الإبن فأنجبته من زواجها الثالث من الدكتور شريف حتاتة ، طبيب ومفكر مرموق وكاتب فذ ، مشهور على المستوى الدولي ، هذا الرجل الذي لا يجد حرجا من الإعتراف أنه ، هو من وضع لافتة باسم زوجته الدكتورة نوال السعداوي ، عنواناً لمنزلهما، وذلك لسبب بسيط يراه ، هو أنها معروفة أكثر منه ، محاولاً من وراء تصرفه هذا القول إن المرأة يمكن أن تكون متقدمة أكثر من الرجل ، كما لا يمانع أن يحمل أولاده اسم أمهم إلى جانب اسمه ، طالما كانت الأم صاحبة الدور الأهم والأبرز في حياة أبنائها ، خاصة أنه لا وجود لأي دليل يمنع هذا الوضع في الاسلام ، مستشهدا بالقصة التالية :(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك.قال: ثم من؟ قال:أمك.قال: ثم من؟قال: أمك.قال: ثم من؟قال:ثم أباك).
إذن الدكتورة نوال السعداوي تعيش حياة زوجية جد ناجحة مع شريك يقاسمها همومها الفكرية ويتفق معها في آرائها بل ويقدمها على نفسه أحيانا ، فكيف يتهمها البعض أنها معقدة ؟ بل العكس هي تعيش في بيئة أسرية سليمة ، وتنسجم إلى درجة الإتفاق مع زوجها واولادها ، وهذا هو الجو الذي وفَّر لها حرية الفكر والتأمل والتدبر لأحكام الدين الإسلامي الصحيحة غير تلك المزيفة المفصلة حسب الطلب .
إذا كان هناك من يعتقد أن آراء نوال السعداوي غير متزنة وصادرة عن امرأة معقدة وغير طبيعية ، رغم تمتعها بحياة أسرية طبيعية بل ومثالية ، ورغم حرصها على الظهور بمظهر وقور خال من الإثارة والإغراء ، فماذا كان سيقال عنها لو كانت تحمل كيلوغرامات من المساحيق على وجهها وتلون شعرها حسب الموضة وترتدي مثل ما ترتديه صاحبة ( بوس الواوا...أحْ ) ؟ وماذا لو كانت لها بنتا تُنكرها وتتبرَّأ منها علنا ؟ هل كان أحد سيلعنها أم أنها حينئذ ستصبح في نظر كل خصومها نجمة النجوم ومهجة القلوب و.. و... و..... أستغفر الله.
خامسا: نقاط غير مضيئة : يركز خصوم الدكتورة نوال السعداوي في هجومهم عليها ، على القضايا المثيرة لحفيظة المسلم البسيط ، الذي يغار على دينه ويتعصب لأفكاره ويرفض التغيير، بسبب عجزه عن استيعاب الأفكار الجديدة واستكانته لما هو كائن دون محاولة فهم ما يمكن أن يكون ، وتقولبه الإرادي ضمن أنماط جامدة ، رغم أن الإسلام هو دين العقل ودين الفكر لأن الله جعل معجزة محمد صلى الله عليه وسلم هي ( القرآن الكريم ) وهو كلام الله الذي يتميز بالإعجاز ، ويحتمل درجات متفاوتة من الفهم تتكيف مع تطور الإنسان لأنه كتاب صالح لكل زمان ومكان ، كما أنه كتاب جامع لكافة الأحكام والتشريعات المتعلقة بكل صغيرة وكبيرة ، والاحتكام إليه هو أفضل طريقة للرد على من نعتقد أنه يهاجم الإسلام ، وليس بالشتم والتكفير والنيل اللفظي ، وتجييش الجماهير ضده ، خاصة أن الدكتورة نوال السعداوي أعلنت أكثر من مرة استعدادها للمناقشة وتقديم الحجج الدامغة ، المؤكدة لصواب آرائها ، فكان الصمت المريب من قِبل خصومها ، هل يفتقد هؤلاء إلى الحجج ؟ إذا كان الجواب ( لا ) فلماذا يفوِّت هؤلاء على أنفسهم وعلى أتباعهم فرصة قص لسان من يعتقدون أنها مرتدة عن دين الله؟
1 – الحجاب : (في سؤال لها عن لبس الحجاب وموقفها منه، وهل هي مع لبس الحجاب او ضده؟؟؟؟ قالت د. نوال أن كل السيدات المحجبات، لا يعني انهن شريفات، وان كل السيدات غير المحجبات لا يعني انهن غير شريفات، إن المرأة المحجبة والتي تغطي شعر رأسها قد تكون متخلفة، وأن عقلها مغلق، كما أن الحجاب لا علاقة له بالأخلاق, أخلاق المرأة بتظهر في عينيها, وفي حديثها, وفي مشيتها، بعض المحجبات، يلبسوا الحجاب، ويمشوا يترقوصوا على كعب عالي، ويحطوا الروج والمكياج بشكل عام، ومنهن من يلبسن بنطلونات الجينز الأمريكية، ويكشفن عن بطونهن، وهناك محجبات حضرن اليها (كما تقول) وقلن لها بانهن يؤيدنها بالكامل، وما يضعنه من حجاب، هو فقط مراعاة للعادات والتقاليد في المجتمع الذي يعشن فيه ) (10 ) فهي ليست ضد من ترتدي الحجاب لكنها ضد أن يتناقض مظهر المتحجبة مع شروط الحجاب الشرعي من جهة ( كتعرية البطن وما أكثره ) ومن جهة مع السلوك والأخلاق ، فهل هذا كفر ؟
2 – الحج : تقول نوال السعداوي : ( نص ( وتقصد نصف ) مناسك الحج مأخوذة من الوثنية… أنا نفسي أعرف بيضربوا إبليس إزاي؟ ونفسي أعرف بيعبدوا الحجر الإسود ليه… الحج ياجماعة عادة وثنية موروثه من عبدة الأصنام!!!) إنها تتساءل بحرقة ، أسئلة يمكن لأي مسلم أن يطرحها عن رجم إبليس وتقبيل الحجر الأسود ، وكان على علماء الإسلام إعطاء الأجوبة المقنعة والشافية بدل السب والشتم ، لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "إني لأعلم أنك حجرٌ لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّلُكَ ما قبَّلْتُكَ" (متفقٌ عليه). ولم يتهمه أحد بالكفر ، فما كان على خصوم الدكتورة إلاّ إفحامها بالحجة :
لقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، وكان يقول ( خذوا عني مناسككم ) وليس من الحكمة أن نعترض على سنة ٍ حتى لو لم نفقه الحكمة منها ، قد يكون امتحانا من الله لمدى امتثالنا و طاعتنا العمياء له جل وعلا و ليس من العقل أن نفعل مثل إبليس الذي رفض السجود لآدم ، أي رفض أمر الله فاستحق الخلود في الجحيم .
3 – الختان : - وتقول أيضا عن قضية الختان للرجل:
(نفسي أعرف بتختنوا الرجاله ليه؟ وإيه الهدف؟ أنا دكتورة وأقولها بالفم المليان الختان سواء كان للراجل أو للبنت خطر جدا وظاهرة صحية خطيرة تهدد سلامة الفرد في المجتمع) فإذا علمنا أن معظم الناس يِؤجلون عملية الختان سنوات حتى يكبر الولد و ينتبه ، وبالتالي يتشكل لديه حاجز نفسي من هذه العملية مسبقا ، نجد الدكتورة على حق ، أما لو حرصنا جميعا على ختان أطفالنا في اليوم السابع لولادتهم ، كما هو موصى به في السنة النبوية ، فستكون العملية إجراءا وقائيا صحيا ، اعترف بصوابه العلماء وأصبحوا ينصحون به ، ولعل الدكتورة تتحدث بناءا على حالات مرضية تعاملت معها كطبيبة نفسية ، و كان الختان ( في سن كبيرة بالتأكيد ) سببا فيها .
4 – دين الدولة : وعن دين الدولة قالت :( لا يجب أن يكون للدولة أي دين أو مصدر ديني للتشريعات. أما الأفراد فهم الذين لهم دين، وكل فرد حر في اختيار دينه في بيته. جميع القوانين والتشريعات يجب أن تكون مدنية. أنا ضد الدولة الدينية لأنها عنصرية بالطبيعة وتفرق بين المسلمين والأقباط، فعندما يقول الدستور المصري ان دين الدولة هو الإسلام والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فهذا كلام مضاد للحرية والديمقراطية والعبادة، ولهذا السبب نعاني من مشكلة الفتنة الطائفية ، يجب فصل الدين عن الدولة تماما وإلا سنغرق في بحور من الدم) هذه وجهة نظر ، واجتهاد ليس فيه من الكفر شيء ، فالدكتورة ترى أن الفتنة الطائفية تتغذى على المفاضلة بين الأديان داخل الدولة الواحدة ، ومن تمة تعتقد أن عدم تحديد دين الدولة قد يمنح إحساسا بالمساواة بين مختلف الأديان ، فتختنق الفتنة وتموت ، وتطالب بذلك من باب درء المفاسد ، هذا اجتهاد منها فإن أصابت فلها أجرين وإن أخطأت فلها أجر واحد ، وكفى الله المؤمنين شر السب والشتم والتكفير.
سادسا: لكل عالم هفوة :لا تبالي نوال السعداوي بالصدمة التي يمكن أن تتسبب فيها جرأتها للقاريء البسيط ، الذي يعتبر أي تغيير في المفاهيم الدينية كفرا وإلحادا ، لذلك تغرقه دفعة واحدة بأفكار يعجز عن هضمها فيصاب بالتسمم ، ولو ترفّقت قليلا و أعطته تلك الأفكار على جرعات مناسبة لنجحت في كسب ثقة أكبر ،
لقد تجرأت نوال السعداوي في كثير من آرائها بشكل يوحي بالكفر لأول وهلة ، كقولها ( أنا بنت الله ، والناس جميعا هم أبناء الله ) ولا أستطيع أن أفهم من كلامها هذا أنها تقصد البنوة التي نعرفها ، فالله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ، وهي تعلم ذلك وتعيه لكنها تريد أن تتحدى خصومها بكلام مستفز ، مبررة ذلك بأن المسيحيين يقولون أن عيسى ابن الله ولا أحد يحاربهم ، هل هي مشاكسة جريئة من أمرأة تؤمن بحريتها المطلقة أم هو تعبير مجازي عن صفاء علاقتها بالله كرد ٍّ قوي على من يتهمونها بالكفر الصريح ؟ أم كلاهما معا ؟ كما بالغت في الجرأة عندما كتبت مسرحية مستفزة العنوان ( الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة ) و استحضرت الشخصيات الممنوعة من الإستنطاق ، ووظفت كل ذلك بإسقاط عمودي على الحياة البشرية ، هذه المسرحية التي : ( لا تعتمد على بناء درامي أكثر من اعتمادها على حبكة فلسفية تطرح من خلالها المؤلفة جدالاً لا ينتهي حول الدين والسياسة والأخلاق وحقوق المرأة. الجدال يأتي معظم الوقت في صورة تخبط بين أفكار متقابلة ليعبّر عن واقع تدعو الكاتبة إلى إصلاحه حتى وإن كان الثمن اختراق المقدسات وهزّ ثباتها ) ( 11) وطبعا هي بذلك تزيد الطين بلة وتمنح لخصومها المزيد من الأسباب لتأكيد كل التهم القديمة واختراع تهم جديدة لا تهدر دمها فقط بل تجعله تأشيرة مجانية للدخول إلى الجنة ، هل هي شجاعة الفراشة أمام أفواه البراكين ، أم هي حكمة امرأة في الثمانين ؟
سابعا: كلمة لابد منها : ليس من العدل أن نتهم الآخرين لمجرد أنهم يخالفوننا الرأي ، وليس من الرِّدة أن نجتهد في فهم ديننا ونجدد في تأويل وتفسير معجزة قوامها الكلام ومفتاحها العقل هي القرآن الكريم ، وليس من العيب أن نكتشف أننا كنا على خطأ فنتوب عنه ، وليس من الكفر أن نسأل ونتساءل حتى نبلغ اليقين : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) سورة البقرة الآية 260 .
هوامش:
( 1 ) : عن الحوار المتمدن العدد 1849 – 9 / 3 / 2007
( 2 ) : أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى
www.nazme.net
أخبار الخليج – الإسلامي - العدد (10598) الجمعة 11 ربيع الأول 1428هـ - 30 مارس 2007م
( 3 ) و ( 8 ) : مقال ( نوال السعداوي بين الرواية والغواية ) للأستاذ رابح خيدوسي - أصوات الشمال
( 4 ) و ( 5 ) و ( 6 ) و ( 7 ) : رواية ( امرأة في نقطة الصفر ) للدكتورة نوال السعداوي
( 9 ) عن الموقع الرسمي للدكتورة نوال السعداوي والدكتور شريف حتاتة – بقلم الدكتورة – 29 / 9 / 2009
( 10 ) دنيا الرأي : وفاء الكيلاني في مقابلة مع د.نوال السعداوي بقلم:احمد محمود القاسم 11 / 12 /2009
( 11 ) بقلم أهلال محمد – مدونات مكتوب – 2 / 7 / 2008.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق